وكالة أنباء موريتانية مستقلة

ايران بين المطرقة و السندان / الدكتور محمد سالم ولد محمد يحظيه

تعددت وتتعدد هذه الأيام أوجه الحملات الدبلوماسية الأمريكية ممكنة بهندسة إعلامية وحزمة آراء تكتيكية لأحداث شرخ وهوة لا متناهية بين إيران ومحيطها العربي الذي ظل إلى آخر لحظة متميزا بمواقف وسيطة واضحة المعالم.أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مواقف سليمة لصالح إيران لا عليها. رغم ما اتسمت به السياسات الإيرانية من بصمات عدائية لبعض جيرانها العرب ومحاولاتها شبه الدائمة إثارة زوبعة في فنجان العلاقات الدولية بينها وبين محيطها الخليجي، ورغم المخاوف الإيرانية من جيرانها وإمكانية استغلال أراضيهم ضدها فإن أغلب الدلالات توحي أول ما توحي أن سيناريوهات تفكيك إيران وتحييدها عسكريا لا ناقة لدول الخليج العربي فيها ولا جمل.
انحبست أنفاس البيت الأبيض ومخطيطه على مختلف مشاربهم ليخرجوا بمبادرات تجاه إيران تشعبت أوجهها مما استدعى الكثير من المراجعات والتمحيص التي أفضت أخيرا وليس آخرا بصولات بوش الاستعراضية لدول المنطقة، التي ظلت إلى عهد قريب المزود اللوجستي والراعي المالي الرئيس لحروب العبثية الأمريكية في الخليج.
فالمعروف أن الاستراتيجيات الأمريكية منذ الحرب الفيتنامية وتداعياتها أصبحت موجهة لإثارة النزاعات والحروب في مناطق كثيرة من العالم،وذلك شريطة أن تكون بعيدة كل البعد عن الحدود الأمريكية أولا وأن تتمتع الولايات المتحدة بإدارتها عن بعد حتى ولو تطلب ذلك صداما يستدعي المشاركة الأمريكية الفعالة ثانيا.
لكن اتسام السياسات الخليجية مؤخرا بنوع من الانتقائية النفعية وتفطنهم لأهداف الماكينة العسكرية الأمريكية الموجهة لامتصاص مقدرات دول الخليج المالية خاصة بعد الطفرة النفطية الأخيرة.
وتزايد أسعار الذهب الأسود، وتميزه باحتلال درجة عالية من الحساسية في المخططات الإستراتيجية، ومحاولات جهات عديدة السيطرة على مصادره بصفة دائمة،ومهما بلغت التكاليف.
ونتيجة الاستئثار الأمريكي الغير معقلن بالمنطقة والتحكم في منافذها الإستراتيجية المهمة طولا وعرضا إلى حد القرصنة وتخطي الحدود الدولية وسيادة أمم، وشعوب المنطقة.
جعل دول الخليج تحس الغبن والازدراء من طرف الشريك الأمريكي والغربي بصفة عامة وذلك لأمرين أساسيين انعكسا في الرعاية الخليجية العمياء للاقتصاديات الأمريكية والغربية ودون مقابل يحظى به المال العربي في الغرب.
إحساس دول الخليج بالتهميش والدونية والدور شبه الثانوي لما يجري داخل حدودها ومياهها الإقليمية
والمتمثل في مرابطة الأساطيل الأمريكية في الخليج العربي مع تحملها ما ينجر عن ذلك من تبعات وما تخلفه من تلوث، وانتهاكات للسيادة، وحتى أن تكلفة التواجد العسكري وما يتطلبه من إمدادات باتت عبئا على ميزانيات المنطقة.
ورغم اختلاف الآراء في معالجة المشكل الإيراني والنكوص الخليجي عن خيار الحل العسكري، فإن بوش لم يعد بخفي حنين بل استطاع لمّ عقود بمليارات الدولارات مقابل ركام قطع حديدية تقدم لدول المنطقة بعد عشرات السنين كسلاح.
وبعد أن تفقد جاهزيتها العسكرية وذلك بإنكشاف خواصها التقنية والدفاعية أولا وكون تقدم التكنولوجيا العسكرية وتكتيكات الحرب ستتخطى في تلك الفترة مميزات هذه التجهيزات وبعشرات السنين ثانيا.
وبما أن صولة بوش في المنطقة حسبت لها الإدارة الأمريكية آلاف الحسابات ووظفت لها خيرة دعائييها ومحلليها السياسيين لحشد الدعم ضد إيران في حرب محتملة يكون الخاسر فيها أولا وأخيرا ساكن الخليج دون غيره.
ولما كانت لكل التحركات والمبادرات السياسية نتائج فإن الحاسب المتعقل يرى أموالا طائلة ضخت بموجب جولة بوش في الاقتصاديات الأمريكية.وفي ظرف كارثي هي في أمس الحاجة إليه خاصة بعد أن بدت للعيان خلخلة وتصدعات جدران المالية الأمريكية.
أما الساسة الخليجيون فلم يحالفهم الحظ أو لم يحسبوا حسابات أكثر عقلانية تجعلهم من الرابحين على الأقل أن لم يكونوا الرابح الأول.رغم أنهم حاولوا قدر المستطاع المحافظة على الجار الإيراني وبما يمليه المنظور الديني وما تقتضيه الأصالة العربية، مما تجلى في مواقف رسمية معلنة أرجو أن تكون بداية استقلالية الرأي الخليجي في سياسات المنطقة ؟.
أما فلسطين السلبية فقد حملت زيارة بوش إشارات عسكرية لإسرائيل لبدأ التكشير، والتغوير، والتصغير، والتحقير، والتقتيل، والتدمير، والتهجير، والتسفير، والتغرير، والكي بالزمهرير.
مما يحيل إلى نتائج منطقية تستخلص من تاريخ الاتفاقات العربية الإسرائيلية التي تأكد للمرة العاشرة بعد المليون أنها لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه.
وذلك أن الجانب الإسرائيلي يضرب بها عرض الحائط بعد أن يستوفي ما تحتويه من بنود يمكن أن تشرعن همجيته ومروقة على القوانين الدولية والوازع الديني والأخلاقي.
إذن مهمة بوش العربية كانت تملصا له ولإسرائيل مما اتفق عليه في الماضي القريب أولا ونجاحا ثان لإيران على الوجهة الأمريكية وتأصيلا لتمكنها القادم في الخليج ؟ وخواء على الخزينة العربية.
وإن كانت الدول المزارة حافظت على بقاء ماء وجهها بعدم الإنجرار لما تضمره السياسات العسكرية الأمريكية للمنطقة من صدام.و ذلك أقل الإيمان فالعرب بصفة عامة حيدوا أنفسهم علميا، وصناعيا، وسياسيا، ولا يهتمون بالأمر حتى تتجاوز مجرياته حدود المعقولية والتدارك.حتى الأزمة الإيرانية، التي يجب أن لا يستأثر بها دخيل على دول الخليج التي يفترض أن يكون قولها الفصل فيها وفوق كل الأقوال.
أخرجت من تحت سيطرتهم تترنحها الأهوال والأهواء المقيتة المميتة. مما لم يبق لهم في هذه إلا أن يكونوا تابعين مجرورين للنهج الأمريكي ضد إيران.
وهو ما لم يظهر حتى الآن وهو خيار قد يحسب عليهم في حال اتخاذ قرار عسكري أمريكي بالشأن الإيراني، ودون إشراك المجموعة الخليجية، وهو أمر غير مستبعد.أو متبوعين وهو ما يستحال لأن العرب لم يخططوا أو يضعوا استراتيجيات ناجعة تقدم لهم صورة كاملة غير تلك المشوشة التي خاضوا بها سياسات الماضي، إن لم تجعلهم من أصحاب الرأي النافذ في سياسات المنطقة أو تبقي لهم ولو على شبه وجود بين الأمم.
المهم عاد بوش بأموال طائلة أكثر مما تخيل لترميم ما أنهار وينهار من اقتصاديات بلاده. رغم أنه يجب أن يرجع ليس خاوي الجعبة فحسب، بل عبوسا، منحوسا، منكوسا، معكوسا، متعوسا، غير محسوس، لا محروسا، ولا معروسا.أما المهمة الرئيسية لبوش المتمحورة حول تأليب دول الخليج على إيران فلم تلق رواجا مما يفتح باب خيارات أمريكية أخرى تجاه إيران.
فبالإضافة إلى تشديد الحصار واتساع دائرته تظل إيران الشغل الشاغل للمنظار العسكري الأمريكي الذي لا أحد ينكر انفراده مع الدول الغربية وإسرائيل بالخرائط الجوية للدول العربية والإسلامية.
يقابل ذلك حتما فراغ وانعدام وجود فعلي وجهل تام لأي خرائط لدى الطرف الآخر.
وتبقى هذه إحدى نقاط الضعف المفصلية الجمة لدى الجانب الإيراني كضعف التنسيق بين البحرية والجوية، والوحدات العسكرية الأخرى بعضها مع بعض.
والأدهى من هذا كله والأمر أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية حددت 35000 موقع إيراني حساس مرشحا للمهاجمة والتدمير في حملة عسكرية لا تتعدى عدة أيام يصاحبها إصدار الأوامر لعملاء الاستخبارات الأمريكية في إيران المجهزون بمقويات ممغنطسة عالية الفعالية يقومون عبرها بدخول أنظمة التحكم في الجيش والاتصالات بصفة عامة، والبنوك، وإمدادات الماء والكهرباء وتعطيل أدائها بصفة نهائية. يرادف ذلك تصفير الحسابات الإيرانية في الخارج، وعندها يترك الوضع المختل للفوضى الخلاقة تعمل به أشنع فعالها.مما يضطر القيادة الإيرانية وبعد انتشار الذعر وفقدانها مفاتيح السيطرة على الأمة ومقدرات الدولة للأذعان للمطالب الأمريكية.
وذلك بتوقيع ما يقدم لها من اتفاقيات ووثائق تنازل عن ما لم تكن تتوقعه إطلاقا ( انظر كتابنا الأعلام وسيلة ضغط وتغيير جيوسياسي بيلاروسيا 2006).
هذا هو أكثر السيناريوهات احتمالا وقد تصاحبه سيناريوهات أخرى، لأنه يمس الدولة ومقدراتها الدفاعية والحيوية من الصميم، وذلك بتحييد المعلومة وإلغاء دورها الأساسي كعنصر وحدة وقوة تسيير تتحكم الأمم والشعوب.خاصة في عصر المكننة المعلوماتية واستئثارها بالدور الريادي الفعال الذي بشله تتوقف بقية مجالات الحياة فكيف بحركة الجيوش، والإمداد، والاستشعار…؟ هذا إذا لم ننسى حروب الماضي القريب، وأن السبب الرئيسي في تحييد يوغوسلافيا والعراق عسكريا كان بتمكن الاستخبارات الأمريكية من فك شفرة المعلومات السرية لدى هذه الجيوش.
ورغم ما قيل ويقال فإن إيران ظلت تستعدي جيرانها العرب ولا تفتأ تقذفهم بشرر إشارات استصغار وتحجيم. وحتى بملكية أراضي بعضها كتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين مؤخرا بأن البحرين مقاطعة إيرانية يجب استرجاعها ؟ أو احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث طمب الكبرى، وطمب الصغرى، وأبو موسى.
ومحاولاتها توظيف الأقليات الشيعية في دول الخليج كطابور خامس بإثارتها وتهدئتها وقتما تشاء متجاهلة بذلك سيادة جيرانها الذين لم تصدر عنهم حتى الآن دلائل عدائية أو شبه عدائية حيالها.
وليس هذا الجانب الخفي المشبوه الوحيد بل إن إيران تجنبا لمخاطر الحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل مثلا التي تعرف إيران كأحد مسارحها المشهورة شيدت مفاعلها النووي على بعد 70 كلم من العاصمة الكويت في حين أنه يبعد 700 كلم عن طهران.مما يعني أن البرنامج النووي الإيراني فيه من الشك والريبة أكثر من اليقين وفيه من اللف والدوران أكثر من الاستقامة والاعتدال.
وهو ما يثير الكثير من المخاوف التي تتعدى حدود الفطنة العقلية والشحن النفسي. يضاف إلى ما تقدم لعب إيران على الحبلين بتظاهرها دولة إسلامية رغم أن أحمدي نجاد يختلف عن سابقيه حيث أنه يبني دولة قومية بحتة تسعى أول ما تسعى لتمكين القومية الفارسية وإظهارها بمظاهر من الهولامية والأبهة التي لا تنطبق عليها مقابل بقية القوميات.
التي تعتبر أساس النسيج الإيراني. فمهما بلغت الاختلافات وصعوبة الماضي الإيراني العراقي فلم يكن أحدا يتوقع الدور التخريبي وإشاعة الفوضى التي ساعدت الأيادي الإيرانية على تفشيها في العراق وإنشاء ميليشيا فاشية باسم الدين إضافة إلى إحراق المكتبات، وتقتيل العلماء، والطيارين، وأساتذة الجامعات، والقضاء بصفة عامة على حياة حضارية في العراق.
هذه الأمور مجتمعة جرت الكثير من الانتقادات على إيران من العالم العربي والإسلامي رغم التقليل من هذه الحدة مؤخرا، وانكشاف المخطط الإيراني الماورائي الذي نزع إلى تقديم العراق وأفغانستان ضحية برنامجها النووي. وحتى محاولاتها الأخيرة عبر طريق ثالث جر لبنان إلى النتيجة العراقية الأفغانية.
يضاف إلى ما تقدم تناقض السياسة الخارجية الإيرانية الصريح والرافض للوجود الأمريكي في الخليج بينما تدعم إيران قوى موجودة في السلطة العراقية تطالب ببقاء القوات الأمريكية في العراق أكثر من 100 عام.
مما يدل على اختلاف المصالح الإيرانية الأمريكية في نقاط وتلاقيها في نقاط أخر. ولا ننسى هنا أنه في أغلب الأحوال إذا انتهت المصالح بدأت الأحقاد ؟ ولما تكشفت الفترة المعروفة ببداية إثارة المشكل النووي الإيراني واتضاح محاولات تستره وراء أحداث ومتغيرات المنطقة من العراق إلى أفغانستان، ولبنان، وحتى الشقاق الفلسطيني الفلسطيني.
فإن أحد السيناريوهات الأخرى القائمة الاحتمال لتفكيك إيران والقضاء عليها كطامح استراتيجي جديد في المنطقة سيكون مرده إلى الهيكل العرقي والطائفي لإيران التي هي في الحقيقة تعيش تفاوتا وتهميشا لا تحسد عليه.فالمعروف أن تعداد سكان إيران يصل 80 مليون منهم 24 مليون أذري وتتري ، 8 ملايين كردي، و5 ملايين عربي، و3 ملايين بلوشي، إضافة إلى 6 مليون من التركمان والقوميات الأخرى.
أما التشكيلة المذهبية فهي أكثر تباينا و تعقيدا وإن طغى عليها نوع من التجانس الظاهري والمسايرة السياسية للقومية الفارسية، التي انفردت بمقدرات الدولة دون غيرها من القوميات، رغم أنها لا تشكل الأغلبية في الهرم السكاني الإيراني. مما يعطي محاولي النيل من إيران قالبا جاهزا تنقص عملية شحنه بطريقة أو بأخرى ليتحول سيلا جارفا يأتي على الأخضر واليابس.
هذا إن لم تقدم النخب السياسية الإيرانية من إصلاحية ومحافظة خطة لإنقاذ الاختلال القومي الخطير وإعطاء كل ذي حق ولو النزر القليل من حقه بصفة تدريجية تدمجه في إطار المستفيد من الراجع العام للدولة.
وإلا فما بالك بدولة إسلامية يقطنها 16 مليون سني و14 مليون أذري مسلم، وغيرهم من المهمشين مما يتعدى أكثر من ثلثي مجمل السكان.
فإن كان لإيران طابور خامس من الأقليات الشيعية في دول الخليج، فإن لأمريكا هي الأخرى طابورها المحتمل المتمثل في القوميات الغير فارسية في إيران .
والتي تختلف عن مثيلاتها في دول الخليج بالإقصاء، والتمييز، وهو ما يجعلها مرشحة للانفجار أكثر من غيرها. ولعل هذا القالب العرقي هو ما يمكنه أن يحدث انقلابا تتغير بموجبه موازين القوى في إيران في حال إعلان الحرب وهو أمر ليس بالمستبعد.وإن استدعت طرق التمويه والتكتيكات الحربية توقيتا متأخرا قد يكون أكثر ملائمة لجاهزية الجانب الأمريكي المتحمسة للحرب.
وما كثرت التصريحات والتقارير المتضاربة من الجهات الأمريكية المختلفة إلا نوعا من تضليل الجانب الإيراني وخلط الأوراق في يده مما يجعله يركز على جوانب ويترك نواح دفاعية وتكتيكية مهمة قد تكون الحاسم لحظة تدشين الحرب.
فليس وضع القوميات وتذمرها إن انتفضت بطريقة أو بأخرى إلا عاملا يستوجب من الجانب الإيراني فتح أكثر من جبهة تكون حجر عثرة تجني بها إيران على نفسها براقش.
هذا طبعا إن لم تقم المصالحة وإعادة ترتيب البيت الإيراني من الداخل. والذين يتقولون بحساسية المنطقة وأن العالم لم ولن يسمح بإشعال حرب جديدة في منطقة الخليج نظرا لمقامه مقام الرأس من الجسد في السلم الطاقوي العالمي أقول أن السوق النفطية سيستمر شحنها من مناطق أخرى كروسيا وشمال وشرق إفريقيا وبحر الشمال وأمريكا اللاتينية…
وأن القواعد الأمريكية لم تأت مصلحة ولا راعية للعلم، والتعليم، والتقدم، والازدهار للمنطقة وساكنها. ولنا عبرة فيما أحدثته القوات الأمريكية من خراب للعراق، ومن تأليب أقليات بعضها على بعض، وتمكين عصابات طفيلية مرتزقة من رقاب شعب ومقدراته الحياتية. ثم إنه ألم تضرب أمريكا العراق بقنابل محرمة دوليا يبقى إشعاعها وتأثيرها السلبي على التربة أكثر من 1000 عام ؟ ألم تعمل مع مرتزقتها على تدمير الآثار العلمية والحضارية لشعب زهى بحضارة أكثر من 10000 سنة.
يدين لها العالم باختراع الكتابة، والعجلة، والمفكرة القانونية الأولى حامورابي، وأب الملاحم جلجامش، والخليل بن أحمد الفراهيدي، والكندي، وإسحاق الموصلي، وزرياب وغيرهم مثالا لا حصرا… ولا أظن إلا أن مدبر السياسة الإيراني إلا يعلم علم اليقين أن المواقف الروسية الصينية تربطها مصالح أكثر وأكبر بأمريكا أكثر مما يربطها بالجانب الإيراني وذلك لاعتبارات عدة.
مما يجعل مواقف الدولتين أشبه ما تكون بجعجعات دون طحين، وما تجربة تلك المواقف المرة مع أفغانستان، العراق ويوغوسلافيا ببعيدة الأثر والآثار؟.
إذن القول بالحرب لا يزال الخيار الأوحد لدى بوش وحاشيته المقتصرة على ملاك المصانع العسكرية وشركات النفط والمتطيرة ومنظري الصدامات والصراعات العسكرية و الحضارية أمثال هاتيغتون وفوكوياما وبري جينسكي… ممن نظر وأطر لصدام الحضارات تملقا وتحجرا وعن عدم دراية أن الحضارات لا تتصارع وإنما تتصافح، وتتصارح، وتتلاقح، وتتمانح، وتتسامح، وتتشارح، ولا تتقارح، ولا تتناطح وإنما يتصارع المثقفون برؤاهم وأطروحاتهم داخل هذه الحضارات.
وحق هنا لناظر صفحات الحروب الأمريكية المعتمة أن يتذكر أن ما تكنه الماكينة العسكرية الأمريكية لإيران ليس إلا نوعا من تدشين الضربات الاستباقية وإرسال إشارات تحذيرية لمن أراد أو خولت له نفسه تجاوز خطوط التبعية والاستكانة لأمركا .
وإبعاد أي منازع استراتيجي محتمل قد ينقص أو يهدد النفوذ الأمريكي في الخليج. مما يوحي بانهيار كامل لما بقي مما يدعى نظريات السلام والتعايش الأمني، ويجعلنا نتأكد أن قوتهم في ضعفنا نحن العرب والمسلمين. وأن الحل الأوحد يكمن في بذل أقصى الجهود وتسخير الإمكانات لمسايرة الركب، واكتساب التكنولوجيا السلمية، والتركيز على إنتاج نوعي قادر على المنافسة الدولية وتحدي الصعاب.
و ما سعي إيران لامتلاك القدرة النووية السلمية إلا حقا مشروعا لكن محاولاتها التطاول على جيرانها يجعلها عنصرا غير مرغوب فيه داخل محيطها الذي لا زال يتذكر دورها السلبي في العراق،وأفغانستان، ومناطق أثر وتأثير على المنطقة.
مما يعني أن مسايرتها السياسة الأمريكية في فترات قصد التستر وإلهاء العموم عن برنامجها النووي لن يكون ذا آثار إيجابية على السياسية الأمريكية حيالها.
فالمعروف أن السياسات الغربية تأخذ ولا تعطي خاصة من العالم العربي والإسلامي. وأنها تستغل المواقف أحسن استغلال، ولا تفتأ تدير ظهرها لمن سايرها في فترة أو أخرى. وخلاصة القول أنه مهما حاولت إيران التمالك وتهدئة الوضع المتأزم فإن محاسبتها على محاولات الخروج عن التبعية ستظل الشغل الشاغل لرجل البيت الأبيض وان طرق تفكيكها، وتحييدها عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا لن تطول لأن مستشفات الأمور توحي أن الخيارات والسيناريوهات العديدة وضعت وتصب أول ما تصب في الاعتماد على القوميات الغير فارسية داخل إيران مما قد يجعلها ضحية بين مطرقة التهديدات الأمريكية وتزايد وتيرة الحصار الاقتصادي والتكنولوجي.
وسندان غليان القوميات التي تشكل أكثر من أغلبية مجتمعة وتعيش أنواع التهميش والإقصاء، الذي يصب في مجرى استياءات المعارضة الأخيرة، وتجاذبات التيارين الإصلاحي والمحافظ.
التي خلقت هي بدورها تيارا ثالثا من المعارضة المتذمرة من تباطأ الإصلاحات زيادة على رفض السلطات مؤخرا ملفات معظم مرشحيها للانتخابات البلدية والبرلمانية الجديدة.
وأخيرا لا أظن هنا أن تملق ومسايرة إيران ومن دار في فلكها لأمريكا في احتلال العراق قصد أمر أو آخر إلا ستجازى عليه بما لم ولن يختلف عن جزاء سنمار.

yehdih1999@yahoo.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.