وكالة أنباء موريتانية مستقلة

تحليل: الجغرافيا والحلم العربي القادم/الدكتور جاسم سلطان

 

عن دار “تمكين للأبحاث والنشر” في بيروت صدر هذا الكتاب للدكتور جاسم سلطان الكاتب والباحث والمؤلف، والذي يتناول في كتابه هذا واحدة من أهم القضايا  التي باتت تؤثر في مسيرة الأحداث الكونية، إنها قضية الجغرافيا المتحركة، أو الجيوبوليتيك وكيف باتت الجغرافية اليوم تؤثر تأثيراً فاعلاً قوياً في حركة السياسية العالمية، لاسيما في القرن الحادي والعشرين.

بليغة هي الجغرافيا عندما تتحدث دون وسيط … في ثنايا صفحات هذا الكتاب ستسمع صوتا وترى صورة تتحرك، ولن تقرأ فحسب … ستصالح علماً لربما خاصمته يوماً (الجغرافيا) بسبب ناقل نقله لك بجفاف … يفسر هذا الكتاب كثيراً من القضايا السياسية المعقدة والمتداخلة، بل ينمي لديك ملكة المقدرة على التحليلي والتفسير للأحداث، والتحركات المحلية والإقليمية والدولية.

 

ما هي الجغرافيا السياسية أو “الجيوبوليتيك”؟

الجغرافيا السياسية بحسب هذا المؤلف هي فرع من فرع الجغرافيا البشرية، وهي تنظر للعالم من حيث علاقة تضاريس الأرض  بالسياسية. والإنسان والأرض والزمن هي الأبعاد الثلاثة الكبرى للجغرافيا.

فالإنسان بأفكاره وأحلامه وطموحاته وقدراته هو صاحب القرار الذي يعظم من  قيمة العنصر الثاني وهو الأرض كمساحة وموقع وتضاريس، وشكل ومناخ، ونبات تبرز قدراته الإبداعية، وبقدر قوته الإبداعية واستجاباته يتموضع التاريخ تقدماً أو تخلفاً.

والقوة وتوزيعها بين أطراف الفعل السياسي هي جوهر السياسة وبالتالي كل عنصر من عناصر الجغرافيا، قد يضيف أو يضعف من قوة الدولة كفاعل سياسي. والجغرافيا السياسية تحاول أن تفهم توزيعات الظاهرة السياسية على وجه الأرض من زاوية وبوصفها من زاوية أخرى، ومن زاوية ثالثة تدرس علاقة الظاهرة السياسية المكان وبمعنى بسيط تنظر الجغرافيا السياسية للعالم كبقع قوة، وتنظر لتراتيبتها والأدوار التي تلعبها، وتعتني بتوصيف كل بقعة سياسية لتزن قوتها، وتنظر لأثر الجغرافيا على ممكنات الدولة وحركتها التاريخية.

وللجغرافيا السياسية أهمية كبرى في السياسية الداخلية، فبناء على فهمها توضع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي عليها المعول في تحقيق تطلعات الشعوب، للوجود والاستقرار والتنمية، كما أن في  ضوئها تدرس مشاكل الحدود وبالتالي المشاكل البينية بين الدول.

وتقوم الجغرافيا السياسية كذلك بدراسة المشكلات الإستراتيجية للدول، كدراسة مشكلة الدول المخنوقة، وتعني بالمعلومات والإحصاءات الدقيقة للموارد الدولية والأنشطة الاقتصادية المؤثرة في السياسية الدولية.

 

الجغرافيا في عالم متغير سياسيا:

يؤكد المؤلف على أنه لا يمكن اليوم فهم السياسية الدولية من غير أخذ حقيقة هامة جداً في الاعتبار وهي أن “الثابت الوحيد في هذا العالم هو التغيير المستمر”. وإدراك هذه الحقيقة سيعني بالضرورة إدخال التغيرات العالمية في الحسابات باستمرار، ففترة العصور القديمة والوسطى لا يمكن قياسها على فترة العصر الصناعي وتحولاته الكبرى، والعصر الصناعي لا يمكن قياسه على ثورة التكنولوجيا والاتصال العالمي وعالم المعرفة، فكل تطور في مجال من هذه المجالات أنعكس على قدرات بعض الدول ومكنها من لعب دور مختلف في عالم اليوم، وبالتالي أعاد ترتيب حسابات بقية الدول وفضاءات اشتغالها.

فحسابات المصلحة والربح والخسارة  باستمرار، هي نبت الوعي باللاعبين الآخرين وقدراتهم، وكل خطأ في تقدير الموقف قد يتسبب بخسائر جسيمة في عالم البقاء القديم والمعاصر، والسياسة هي مجال الصراع والتدافع، وأدواتها الكبرى المعروفة هي القدرات العقلية للأمم، والقدرات الاقتصادية، وكذلك القدرات العسكرية والأمنية.

وكلما تقدم الزمن أصبحت المعرفة والتطور العقلي، هما القائد لكل القطاعات، وهكذا سارت حياة الإنسان على الأرض، فالأرض والبشر، والنوازع الإنسانية من الاختلاف في الأفكار، ومن التنوع في الاحتياجات، ومن الإحساس بندرة بعض الموارد، وضرورة الاستحواذ عليها، كل ذلك دائم ومستمر.

 

الجغرافيا الحقيقة الغائبة عربياً:

تلفت صفحات الكتاب إلى مفارقة مثيرة وهي أن الجغرافيا في العالم العربي تكاد تكون الحقيقة الغائبة، وربما العلم غير المستساغ لدى الكثيرين، لقد درسنا الجغرافيا في مدارسنا ونتذكر غالبا القليل عنها، وتبقي في ذاكرتنا أشياء عالقة عن مواضع مثل ثروات العالم العربي ومساحته وأحلاماً خافتة بوحدته، ثم لا شيء بعد ذلك … لا شيء ينتقل معنا ويكبر سوى إحساسنا بأنه لا جدوى من تدريس الجغرافيا بكل ما كنا نحفظ فيها من معلومات وما نعانيه لنتذكر الأرقام والجهات، لم يتطور عندنا فكر جغرافي ذو معنى حقيقي إلا مع المفكر المصري الكبير الراحل “جمال حمدان” في روائعه الكبرى مثل: إستراتيجية الاستعمار والتحرير (1969)، موسوعة شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان (19975-1984)، ثم سنجد فراغا ضخما في جيوبوليتيكا العالم العربي وتصوراتها.

لقد اكتفى العقل العربي بنقل ما هو مكتوب من الآخر عنه، ولم يفكر في صناعة تصوراته عن مصيره الجغرافي، أو مسألة وجوده. هذا الفراغ الضخم ذاته موجود في عقل صاحب القرار العربي ولذلك لك أن تتخيل حجم الضرر الذي يتهدد الوجود العربي.

حين وضع “هالفورد ماكيندر” نظرياته، كان يضع في ذهنه، تربية جيل قيادي جديد، يقوم بخدمة الإمبراطورية البريطانية والتاج، لقد رأى ماكيندر بعقلية عصره الاستعمارية أن الجغرافيا بسكونها لن تخدم الإمبراطورية بل لابد من تحريكها لوضعها في قلب صناعة القرار في بريطانيا، ومن هنا كانت أسئلته الموضوعية حول صورة العالم، ومن يمكن أن يسيطر عليه ؟

ومثله يمكن الحديث عن “كارل هاوسهوفر” الذي أنشأ معهداً للجيوبوليتيك، ليرسم لألمانيا تصوراً عن كيفية استعادة قوتها، وكيفية النظر لمحيطها، وكيفية التحرك لتحقيق مصالحها، في وجه محيطها الإقليمي والعالمي.

 

الجغرافيا والجيوبوليتيك بين العرب والأمريكيين:

لم يكن علماء الجغرافيا بدورهم  في الولايات المتحدة الأمريكية بعيدين عن رسم التصورات الإستراتيجية للإمبراطورية الأمريكية، وهنا يمكن الحديث عن “ماهان وسبينكس” الأمريكيان الذين شكلوا المخيال الأمريكي في العالم، وتحولت نظرياتها لواقع تعمل وفق خطوطه الإستراتيجية الأمريكية العالمية.

كل هؤلاء شكلوا بوصلة لأممهم وفهما لمستقبلها وتصوراً للمخاطر التي تتهددها. ورغم الهجوم الشرس الذي لقيته الجيوبوليتيك بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها بقيت أساس التفكير عند صناع القرار في العالم بلغتها ومفرداتها. ولذلك أصبح  من أهم الضرورات وضع سياق جيوبوليتيكي للعقل العربي، وأصبح نشر الثقافة الجيوبوليتيكة من أوجب الضرورات في المجتمع العربي وعند صناع القرار.

يتساءل المؤلف: “هل آن أوان تحرير إرادتنا والتفكير في وضعنا ككتلة عالمية، بدل هذا التذبذب الذي يطبع الفكر العربي السياسي في هذه اللحظة ؟”

إن التشرذم السياسي وحالة الانقسام وطغيان المصالح التكتيكية على المصالح الإستراتيجية له أسباب كثيرة مثل: اختلاف طبيعة النظم السياسية، وغياب الديمقراطيات والتمثيل الشعبي وعمق الارتباطات بالمشاريع الغربية تاريخياً، واختلاف المصالح الضيقة، وهي مشاكل حقيقية وقفت باستمرار أمام مشاريع الوحدة والتعاون والتنسيق، وهي أيضا كلها مشاكل قابلة للحل والحركة، ولن تبقي ساكنة أبد الدهر، وإن تنمية الشعور بالمصير المشترك للأمة العربية يقع  في قمة سلم الأولويات لكل أحلام التقدم والنهضة في المنطقة العربية، ولكن ذلك لا يتم بمجرد الخطابة العاطفية، بل يحتاج إلى إطار فلسفي عميق يحوله،  فليس المهم وجود شعور غامض بالحاجة، بل يجب العمل على وضع ذلك الشعور على منصة التشريح، وإعطاء ذلك الشعور الغامض لغة ومعنى وحيوية جديدة، هل من إدراك أو تصور عربي لجغرافية العالم العربي ؟

 

في عبقرية جغرافية الوطن العربي:

هل هناك حقيقة جغرافية لم يدركها العرب حتى الساعة ؟ بالقطع نعم، إنها العبقرية التي تحتويها تلك المنطقة، والتي يتوجب عليهم إعادة اكتشافها لاسيما وأن العصر لم  يعد  يعترف بالكيانات  الصغيرة، بل يتحرك من خلال كيانات كبرى طبيعية أو صناعية ممكنة  فما هو نصيب الوطن العربي من ذلك ؟

تشير الأرقام إلى أن الوطن العربي من حيث التعداد السكاني يشكل رابع أكبر الوحدات السياسية في العالم  بعد الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية برقم يتجاوز بقليل ثلاث مئة مليون نسمة.

وحين ننظر لمساحة الوطن العربي، نجدها تبلغ تقريبا 10.2% من مساحة العالم بما يتجاوز 14.158.848 كيلومتر مربع، وهو بالتالي يفوق مساحة القارة الأوربية ومساحة الولايات المتحدة الأمريكية.

والوطن العربي يبدو في شكل قوس يرق عن طرفيه مساحة ويزداد سمكا عند منتصفه، يقطعه سهم متعامد معه، حيث الكثافة السكانية الكبرى، فعلى ضفاف الأطلسي تشاهد موريتانيا، وعلى ضفاف الخليج توجد منظومة مجلس التعاون الخليجي، وهم طرفا القوس، في حين تحاذي البحر الأبيض المتوسط الجزائر وليبيا ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا مكتملا بالعراق والأردن، ليتصل بالخليج العربي مكون من مصر والسودان وجيبوتي والصومال.

كل هذا يجعل موطن السفينة والجمل، يتمتع بقابلية الحركة على الأرض أو في البحر، وقابلية التواصل مع البقع الاقتصادية الأهم في العالم كأسواق وكمستقبل.

وهي من زاوية أخرى تطل على أهم الممرات العالمية المعاصرة:

جبل طارق، باب المندب، مضيق هرمز، قناة السويس وهو في ذات الوقت الجسر الذي يربط اليابس الأوربي بآسيا وإفريقيا.

 

هل يدرك العرب ما في جغرافيتهم ؟

علامة الاستفهام عالية الأهمية التي تعليها صفحات هذا الكتاب، تلك التي تتناول الأهمية الجيوبوليتيكية العربية من منطلق الثروات والكنوز الموجودة في أرض العرب.

ففي حين كانت الصحراء عبئا على المشروع العربي قبل اكتشاف النفط والمعادن، أصبحت الصحراء اليوم تشكل فرصا كبرى كعمق إستراتيجي وكخزان موارد، والناظر للوطن العربي يجد نفسه أمام قلب صحراوي تحيط به أرفع حلقات بشرية: حلقة شمال أفريقيا وفيها 28% من البشر، وحلقة وادي النيل وفيها 37% من البشر، وحلقة العراق وبلاد الشام وفيها 17% من البشر، وحلقة الجزيرة العربية وفيها 18% من البشر.

والوطن العربي هو خزان الطاقة للعالم المعتمد على النفط والغاز اللذين هما عنوان هذا العصر، وتكمن أهمية النفط ليس فقط من كونه مصدراً للطاقة بل هو المادة الخام الأساس لشتى فروع الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية، ويدخل في ذلك صناعة الشحوم للتزييت وصناعة الأدوية والمنظفات الصناعية، ومواد التجميل والوراق والمطاط الصناعي، والمبيدات الحشرية والأسمدة والمفرقعات.

والمنطقة العربية التي تحتوي على 59.3% من الاحتياطي العالمي للنفط، تحتوي كذلك على 30.5% من إجمالي الغاز المكتشف في العالم، والعالم اليوم يتكلم عن الطاقة الشمسية، وفي حال تطور تكنولوجيا الطاقة الشمسية سيكون الوطن العربي من أغنى مناطق العالم بها.

والمنطقة العربية غنية بالمعادن كالحديد والفوسفات والكبريت والنحاس والرصاص والأملاح، ومع ذلك فالصناعة العربية مازالت صناعات استخراجية في المجمل ولم تنتقل بعد إلى الصناعات التحويلية، ونصيب الفرد متدن من الكهرباء في الوطن العربي، فهذا الوطن يشكل 5% من سكان العالم وهو ينتج 2% من الكهرباء العالمية.

والمستغل من الأراضي الزراعية 68.5 مليون هكتار، وهي تمثل ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي، أما الثلثين الآخرين فهما غير مستغلين.

ففي الوطن العربي هناك المساحة والعمق الإستراتيجي وهناك الكتلة البشرية، وهناك الطاقة، هناك الأراضي الزراعية، وهناك الممرات الحيوية، وعليه فإن التساؤل المطروح: متى يدرك العرب ما في أياديهم من ثروة يمكن أن تلعب دوراً في الجيوبوليتيكة العالمية ؟

 

العرب والأوربيين والتوازن الجيوبوليتيكي:

تلفت صفحات الكتاب إلى قضايا متعددة مثل التوازنات بين الكتل الجيوبوليتيكة حول العالم، وعند المؤلف أن ميزان القوة لا يزال راجحا لصالح الغرب الأوربي في المعادلة العالمية، وبالتالي فإن اعتبار مصالح هذه الكتلة السياسية عند تركيب الخطاب السياسي والتحركات الإستراتيجية لهذه القوى ورعايتها في سياساته وخطابه، يكون الإبحار أسهل في عالم اليوم، وميزان القوة وأن مال للغرب الأوربي، فإن حركة الميزان ليست في صالح أوربا … فالتوازنات العالمية في حالة تغير، وبالتالي فمراعاة القوى الصاعدة وإحسان التمركز في مصالحها وتنظيم العلاقة معها، سيكون من أهم القضايا الإستراتيجية التي تطرح ننفسها على المشروع العربي.

يطرح المؤلف سؤال جوهري: “هل يمتلك العرب رؤية عند متخذي القرار العربي لوضعهم الجيوبوليتيكي ؟”

الجواب، إنه لا توجد كتابات محددة تبين وجود أو انعدام الرؤية عند صانع القرار العربي، لكن من مجمل التحركات يمكن تقدير مشهد ضبابية الرؤية لمشروع متكامل، أو الشعور بالعجز عن تحويله لمشروع علمي، في ضوء الخبرة العربية المتراكمة في الجامعة العربية ومشاريعها.

إن البعض ينظر لمثل هذه الأطروحات باعتبارها جزء من الترف العقلي في عالم الواقع، ستصدم بإشكالات لا حصر لها في النظام العربي، والبعض الآخر يرى أنها مسألة مصير … فأوطاننا العربية مهددة في أمنها القومي ومستقبل أجيالا بسبب هذا العجز، والاعتراف بأن الواقع صعب هو ما يدعو لطرح مثل هذه الأفكار … فالخروج من المأزق التاريخي هو ابن الفكرة والإرادة والعمل والصبر والمراجعة المستمرة، وهو ما يحتاجه صانع القرار العربي اليوم.

حين تفكر الكتل الإقليمية “تركيا وإيران” للتمركز في عالم الغد، وتفكر في ذلك دويلة صغيرة مثل “إسرائيل” بملايينها الخمسة، وحين تفكر في الأمر نفسه دول العالم كلها، فمن المعيب أن نعجز عن ذلك نحن العرب … إن المستقبل هو ابن الأحلام الكبيرة، والأحلام الكبيرة هي بنت الإرادة التي تؤمن  بها وتشق لها المسار.

بين الرؤية العربية والتحديات الآنية:

كيف السبيل لبلورة رؤية عربية جيوبوليتيكية تضارع أندادها في مسار السياسيات العالمية ؟

عند صاحب الكتاب إن المسار لبناء المنظومة العربية لا يمكن إلا أن يمر بمراحل، وهو حين يبدأ من دولة قطرية فأول ما يلزم عمله هو بناء النموذج الذاتي القطري للحلم العربي، فوجود النموذج الآسر ضروري لبدء عملية شحن المخزون العاطفي والعقلي والروحي لبقية المنظومة العربية. هذا النموذج الذي يحقق معادلة الدولة المعاصرة والتي تتمتع بأربع مواصفات:

  • الشعور الجمعي بالهوية الذاتية وبالإمكان الحضاري (روح دافعة لقبول التحدي الحضاري)
  • العلاقة الصحيحة بالعلم إنتاجا وبحثا وتشبيكا مع آليات السوق واحتياجات الأمن القومي.
  • سلامة النظم وكفاءتها وقدرتها على مواكبة العصر وتحقيق مبادئ العدل والمساواة والكرامة الإنسانية والثقافية.
  • الاتجاه الجاد لتحقيق المنعة الذاتية للوطن.

والحاصل أن بقية الخطوات في عملية الاحتشاد العربي حول مشروع عربي موحد للخروج من المأزق الحالي سيصبح أسهل بعدها.

لكن الواقع هو أن المنظور اليوم في المنطقة العربية يواجه عدة معضلات أو تحديات أمام صانع القرار العربي.

إن أولى المعضلات تكمن في معادلة الوعي بالحاجة إلى المشروع والإرادة ورؤية المسار والسير فيه والثبات في وجه التحديات … وهي كلها قضايا تقف عقبة في الطريق.

الوعي: لا ينتشر بين النخب بشكل واضح منظور جيوبوليتيكي للمنطقة العربية، ويكاد يكون الشعور العام مشبعا بتصورات منخفضة عن الذات تجاه الآخر الإقليمية والعالمي.

الإرادة: الإرادة هي شعور تام بقدرات الذات في مقابل الهدف المنشود.

رؤية المسار: التصور الواضح للمسار بين الواقع والمأمور شرط أساسي في التخطيط.

تحدي السير في المسار: إن اختيار وضع الخطط والتحرك فيها بقرار يحتاج لشجاعة عالية وحشد للطاقات وهو الاختبار الحقيقي لموضوع الإرادة.

تحدي الثبات على الطريق: طريق تحقيق مشروع طموح طريق صعب يحتاج لإرادة سياسية وقدرة على فن المناورة حتى يتم إنجازه.

ولنا أن نتصور أن  صانع القرار في المنطقة العربية عليه أن يتحقق بكل هذه الملكات وهي ليست يسيره في ظل الواقع القائم.

 

فرص كبرى في مواجهة التحديات:

في نهاية هذا العمل المتميز يخبرنا المؤلف عن أنه في مقابل التحديات هناك مزايا وممكنات يتمتع بها الوطن العربي، مثل: الأرض والعمق الإستراتيجي والكثافة السكانية والتنوع في مناخه والتنوع في قابلياته، ويشير المؤلف إلى أهم الحلقات التي تقول أن حلم التحول ممكن وتدعم وجوده … ولننظر لأهم هذه القضايا:

مفهوم الدولة الوطنية القانوني: من المعلوم اليوم أن الدولة الوطنية قانونيا تمتلك السيادة على أراضيها وشعبها، وإن كان يقابل ذلك المفهوم العملي للسيادة ونظرية الحدود الشفافة، ولكن هامش الحركة مازال واسعا للفعل المستقل وكلما كان وعي القيادة أكبر بالوضع الدولي وبمتطلبات التعامل معه، كلما ازداد هذا الهامش واتسع، والقيادة التي تفشل في ملء الهامش الممكن وتحتج بالجزء غير الممكن، تكون هي التي اختارت الفشل وفرضته على مجتمعها.

علاقة الوطن العربي بالعالم: يتمتع العالم العربي بعلاقات حسنة مع المحيط الإقليمي والعالمي، وهو قادر على توسيع مساحة التفاهم والصداقات باستمرار على قاعدة المصالح المشتركة.

وجود النماذج التمويه في محيطه: التجارب الموجبة كان هذا المحيط إقليميا أو قاريا أو عالميا، تمثل تمهيداً لطريق العمل والتفكير للدخول في التنافسية العالمية، وهي متوفرة بكم كبير.

امتلاك الدول الإسلامية لمفردات التقدم العلمي: باكستان وماليزيا وتركيا وإيران واندونيسيا وبعض مناطق الوطن العربي، لها تجارب مميزة تمتد في مجالات صعبة مثل الصناعات الثقيلة مرورا بالصناعات المتوسطة والخفيفة، فمن خبرة باكستان النووية مرورا بخبرة ماليزيا وتركيا في الصناعات الثقيلة والمعلوماتية، إلى الصناعات والبحوث البتروكيماوية … كما أن 90% من المعارف الضرورية للتقدم هي معارف مشاعة لا تحتاج إلا لإرادة … والتصنيع اليوم له إستراتيجيات كبرى، فهو لا يبدأ من الصفر، بل يبدأ من حيث انتهى الناس، وطرق التعلم عبر الهندسة العكسية متاحة في العالم كله، والسؤال الآن، هل هذا يكفي ؟ بالقطع كاف لمن له إرادة وأضعاف ذلك غير كاف لمن لا يمتلك الإرادة.

 

السياسات العربية وقراءة الواقع الجيوبوليتيكي:

تلعب السياسات الكبرى أهم الأدوار في حفظ المشاريع النهضوية من الانزلاق لصراعات مبكرة أو الانحراف عن المسار، أو التوقف عن استكمال الطريق، وهي الآفات الكبرى التي تصيب المشاريع الواعدة، والسياسات قيود على الفعل لضمان سلامة النجاح والوصول إلى الهدف بأقل كلفة وفي أقصر زمن وبأفضل المواصفات.

وسياسات الدول الداخلية للتنمية لابد أن تواكبها سياسات خارجية ناجحة، تكون امتداد للسياسات الداخلية.

وليس المهم أن تكون هناك خطة رائعة، لكن المهم هو البشر الذين سينقلونها للواقع … فالخطط المتوسطة إن وجدت منفذين أقوياء تؤتي أكلها والعكس صحيح. والإنسان العربي هو هدف التنمية وهو أداتها، وبالتالي فرعاية الإنسان روحاً وعقلاً وجسداً وتطوير ممكناته متطلب أعلى من متطلبات تحقيق الأحلام.

إن تجارب الأمم في التنمية البشرية اليوم تغني عن الكثير من التجارب … وكل أمة ناهضة تكمن عبقريتها في استيعاب غيرها ووضع مخططاتها التي تناسبها.

إن مصائر الأمم ليست أمراً هينا، والمحافظة عليها تقع في قمة مهام الدول الناهضة، والزمن والإنجاز هما جوهر التقدم، وبالتالي فالتنفيذ الدقيق للبرامج والجرد الحقيقي الخالي من خداع الذات والشفافية في مقاربة الإخفاقات والنجاحات، هي جوهر تقدم الأمم في سباق الجودة والتحسين المستمر.

 

https://eda2a.com/

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي