وكالة أنباء موريتانية مستقلة

رحلة سليمان التاجر

تأخذ رحلة سليمان التاجر إلى الصين أهمية كبيرة في أدب الرحلات العربي الإسلامي، كونها الرحلة الأولى التي توفر معلومات جديدة لم تكن من قبل في متناول الناس عن بلدان الشرق الأقصى وأحوال أهلها والطريق إليها. ورغم أنه لم يصلنا من الرحلة سوى القليل من المعلومات التي نقلها ابن خرداذبه ت: 300 / 912 صاحب كتاب”المسالك والممالك”، وابن الفقيه ت: 290 / 902 صاحب كتاب”البلدان”، والمقدسي ت: 380 / 990 صاحب كتاب”أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”، وأبو حامد الأندلسي الغرناطي ت: 565 / 1169 صاحب كتابي”تحفة الألباب”و”المعرب”وغيرهم جاءوا ممن بعده من الجغرافيين والرحالة العرب المسلمين، فمن الواضح أنه كان كثير الأسفار، واسع الاطلاع، إذ قدم لنا وصفاً دقيقاً للطريق، واهتم بذكر أحوال البلدان والشعوب التي مر بها في طريقه إلى الصين. ولقد صاغ ملاحظاته ومشاهداته بأسلوب قصصي رائع يغلب عليه في بعض الأحيان الطابع الأسطوري. واهتم برحلات سليمان التاجر العديد من الرحالة والتجار والجغرافيين العرب المسلمين واستفادوا واقتبسوا منها وجعلوها مصدراً أساسياً لهم فيما كتبوه عن بلاد الصين والمناطق المتاخمة لها.
وهذه الدراسة تلقي الضوء على كتاب مهم ونادر”عجائب الدنيا وقياس البلدان”تأليف: سليمان التاجر 237هـ/851م تحقيق الدكتور / سيف شاهين المريخي، 110 صفحات من القطع المتوسط، صدر عن مركز زايد للتراث والتاريخ، الإمارات العربية المتحدة وهو مخطوط من القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي.
وبذل المريخي جهداً كبيراً في سبيل تحقيق هذا الكتاب فأعطى صورة واضحة ومتماسكة عن الرحلات ودورها في توطيد العلاقات السياسية والثقافية والتجارية بين العرب وشعوب العالم.
أما عن الرحلة فهي رحلة بحرية إلى الهند والصين نسبت الى رحالة وتاجر مسلم يدعى سليمان التاجر ليس لدينا معلومات وفيرة عن حياته، وأغلب الظن أنه من تجار مدينة سيراف على ساحل فارس. وقام سليمان التاجر برحلته هذه في النصف الأول من القرن الثالث الهجري الموافق للنصف الأول من القرن التاسع الميلادي. وكانت الرحلات التجارية بين منطقة الخليج والهند والصين في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي نشطة ومتبادلة ويستدل على ذلك مما أورده الرحالة والجغرافيون العرب المسلمون مثل: اليعقوبي ت. 284/897 وابن خرداذبه والمسعودي والاصطخري ت. 400 هـ وابن حوقل ت. 467/977 والمقدسي وغيرهم من الذين أشاروا إلى العلاقات التجارية مع الهند والصين ووصفوا الطرق التجارية البرية والبحرية التي تربط منطقة الخليج بالهند والصين.
المحطة الأولى للرحلة تبدأ من ميناء مدينة سيراف الواقعة على الساحل الشرقي للخليج العربي ثم إلى الهند والصين وفي الطريق إليهما مر على بلدان ومدن وموانئ ومراكز تجارية وشعوب متعددة جمع عنهم وعن عاداتهم وأحوالهم معلومات جغرافية وتجارية وملاحية طريفة وهامة وصفها وصفاً ممتعاً وعرضها عرضاً شيقاً وموجزاً في كتاب دونه سنة 237/851 بعد عودته من رحلته.
وبدأ سليمان كتابه بالتعريف بمحتوياته حيث يقول: هذا كتاب فيه سلسلة التواريخ والبلاد والبحور وأنواع الأسماك وفيه علم الفلك وعجائب الدنيا وقياس البلدان والمعمور منها والوحش وعجائب وغير ذلك. ثم وصف كتابه بأنه”كتاب نفيس”.
والكتاب يتألف من فصلين، كل فصل يعرض موضوعات متنوعة وحافلة بالمعلومات الجغرافية والفلكية والعلمية الواقعية والأسطورية المتداولة في ذلك العصر.
يُعد سليمان التاجر من دون منازع أول من قدم وصفاً قيماً للطريق التجاري البحري الذي يربط منطقة الخليج العربي بالهند والصين، كما اهتم بذكر المسافات بين الموانئ والمدن وأوضح أماكن تواجد المياه العذبة الصالحة للشرب وتعرض إلى ذكر الصلات التجارية بين منطقة الخليج وبلدان المحيط الهندي والمحيط الهادي، كما أشار إلى حجم المكوس التي تجبى من السفن الإسلامية والصينية أثناء مرورها بالموانئ والمدن الواقعة على الطريق التجاري البحري إلى الهند والصين.
ولم يفته رصد بعض الظواهر والعجائب الفلكية والبحرية التي شاهدها في طريقه إلى الصين، منها على سبيل المثال ظاهرة المد والجزر، وجبل النار، والسمك الذي يطير، والسمك الذي يصعد على أشجار النارجيل فيشرب ما في النارجيل من الماء ثم يعود إلى البحر، والسرطان البحري الذي يتحجر إذا خرج من البحر، وغيرها من الظواهر والغرائب، ويدل النص على معرفة المؤلف وفهمه وضلوعه في علم الجغرافيا حيث أوضح كيف تحدث ظاهرة المد والجزر مرتين في اليوم حسب طلوع القمر ومغيبه، وكيف تتفاوت أوقات حدوثها من مكان إلى آخر. وبانتهائه من وصف الطريق ورصد الظواهر والغرائب، انتقل إلى وصف عادات أهل الصين فتناول صفة اللباس العام الذي يرتدونه، ونوع الطعام الذي يأكلونه كالحبوب واللحوم والفواكه وكشف عن أنواع الشرب المفضل لديهم، كما كشف كذلك عن جملة من العادات والتقاليد السائدة بينهم والخاصة بهم.
ثم ينتقل سليمان إلى الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان” أخبار بلاد الهند والصين وأيضاً ملوكها”ويتحدث فيها عن أهل الهند والصين وإجماعهم على أن ملوك الأرض أربعة، ملك العرب وملك الصين وملك الروم وملك الهند، أعظمهم ملك العرب، ثم يتناول بالتفصيل ملوك الهند ويذكر ألقابهم، ونعوتهم، وصفاتهم، وخصائصهم، ومناقبهم، وسعة ملكهم، وتاريخهم، وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، والعلاقات السياسية والعسكرية بينهم وبين من يجاورهم من ملوك العرب والصين.
ثم تحدث عن الصين وتناول أمهات المدن، وأهم الجوانب الجغرافية والعسكرية فيها. ومن الأمور الهامة التي أشار إليها سليمان التاجر استخدام العملة المصنوعة من النحاس في الصين، فذكر أنه:” ليس لأحد من الملوك فلوس سواهم وهي عين البلاد”، ثم تحدث عن مصادر ثرواتهم ومتاعهم فقال:”ولهم الذهب والفضة واللؤلؤ والديباج والحرير”، وتحدث أيضاً عن دوابهم، وأهم الواردات التي تحمل إليهم، فذكر العاج واللبان والنحاس والذبل جلود ظهور السلاحف التي تستخرج من البحر، وأشار إلى الإجراءات التي تتخذها السلطات الصينية لجمع المكوس، وتنظيم التجارة، ومن أمثلة ذلك أنه عندما تصل السفن إلى الموانئ الصينية تفرغ الحمولة وتحفظ في مخازن مدة ستة أشهر حتى وصول جميع السفن القادمة من الغرب. ويمكن تفسير السبب في ذلك إلى أن السلطات كانت تحرص على أن تعرض البضائع بعد وصول جميع السفن، حتى تضمن رخص الأسعار، وإتاحة الفرصة لجميع التجار لعرض بضائعهم في وقت واحد.ويلاحظ في الرحلة إلى الهند والصين اهتمام سليمان التاجر وإلمامه بطقوس أهل الصين وعاداتهم الدينية، والاجتماعية، والسياسية حيث أشار إلى طريقة دفن الموتى، وتحدث عن الاهتمام بالتعليم، وأشار إلى النظام السياسي السائد، وسجل ألقاب ونعوت الملوك، وما يملكونه من سلطات. وما يدور في مجالسهم التي يعقدونها للنظر في أحوال الرعية، بل تعدى ذلك وأشار إلى أمور إدارية وتنظيمية خاصة بأهل الصين وغير معروفة عند غيرهم كقوله:”وليس على أرضهم خراج ولكن عليهم جزية على الجماجم الذكور بحسب ما يرون من الأحوال”، وقوله:”ومن أراد سفراً من بعضها إلى بعض أخذ كتابين من الملك ومن الخصي”، والنص الثاني يؤكد أن أهل الصين أول من استخدم وثيقة المرور أو جواز السفر المعروف في وقتنا الحاضر.
ثم انتقل سليمان التاجر إلى الحديث عن الهند، وأشار إلى انتشار العديد من الطقوس الدينية، والعادات والتقاليد المتوارثة والمنتشرة بين الناس، منها على سبيل المثال: السياحة في الغياض والجبال، وعبادة الشمس، وتعدد الملوك والممالك الهندية.
وتحفل رحلة سليمان التاجر بالعديد من الإشارات والملاحظات الدقيقة العديدة المتعلقة بالفروق والاختلافات بين الصين والهند في الطقوس، والعادات والتقاليد الدينية والاجتماعية والسياسية، كما كشفت الرحلة عن الاختلاف في النظم والوظائف السياسية، وأسلوب الحياة الاجتماعية في المأكل والملبس، وفي طريقة تشييد المنازل، وفي طقوس الزواج، وفي العقوبات وطريقة تنفيذها، كذلك أوضحت الرحلة التنوع في الأوضاع الحضارية، والمقومات البشرية والمظاهر الثقافية والعلمية. والأنشطة التجارية والزراعية والعسكرية.
ويشير المريخي إلى أن أهم ميزات رحلة سليمان التاجر المنهج الذي سار عليه صاحب الرحلة في وضعه لمصنفه حيث ذكر المعلومات المتعلقة بالبلدان والجزر، ومسالكها وحيواناتها وعجائبها وغرائبها. ويعد سليمان التاجر من أوائل من صنف في الرحلات البحرية إلى الهند والصين. وقسم المؤلف الكتاب إلى فصلين. ورتب الكتاب ترتيباً جغرافياً، حيث تحدث في البداية عن البحار وبيّن أسماءها، وتناول المظاهر الطبيعية فيها، ثم تعرض لجوانب مختلفة من حياة الشعوب التي مر عليها، وصف المجتمعات فيها، وتناول عاداتها وتقاليدها. كما تعرض إلى الطرق التجارية البحرية إلى الهند والصين، وقدم لنا وصفاً تميز بالدقة والتفصيل، وزودنا بمعلومات قيمة لا توجد عند غيره من الرحالة المسلمين عن المحطات والمراكز التجارية والمسافات بينها بالأيام وأماكن التزود بالمياه العذبة. والرحلة يغلب عليها الإيجاز، لكنها تفيض بالمعلومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية القيمة، ومؤلفها يتمتع بدقة الملاحظة والتصور وبحاسة جغرافية وملاحية جيدة نلمسهما في قدرته على تمييز البحار وبيان امتدادها واتصالها ببعضها البعض، كما نلمسهما كذلك فيما يورده في الفصل الثاني من معلومات قيمه عن أخبار أهل الهند والصين وملوكهم وطقوسهم وما يتفردون به عن غيرهم.
ولكن يؤخذ عليه استخدام الأسلوب العامي أحياناً والترتيب غير المحكم والتداخل وعدم الربط بين الموضوعات والإيجاز الشديد. كذلك أنه لم يذكر مصادره التي استقى منها معلوماته التاريخية والجغرافية والملاحية.
تتميز رحلة التاجر سليمان،بما فيهما معا من وصف صادق للطرق التجارية، وذكر بعض العادات، والنظم الاجتماعية والاقتصادية مع بيان أهم منتجات الهند وسرنديب وجاوة والصين وعلاقة المسلمين بالصين في القرنين الثالث والرابع. وبطبيعة الحال لعبت الخرافات والأساطير دورها في تلك الرسالة القيمة وخصوصا في وصف ظواهر الجو الخارقة مثل نافورة الماء وفي وصف حيوانات البحر مثل الحوت أو العنبر.
وتعتبر رحلة التاجر سليمان هذه، أول مرجع لعلوم البحار، وهي مخطوطة فريدة في مكتبة باريس، تحمل اسم رحلة التاجر سليمان ولم يكن سليمان وحده صاحب الرسالة بل أضاف اليها أبو زيد حسن السيرافي ما جمع من معلومات وما استقى من اخبار على ألسنة التجار ورجال البحر في بلدة سيراف.

نافورة الماء

وتتحدث الرسالة عن صفات البحر الطبيعية وعن أنوائه وأعاصيره وعن أحيائه ودوابه وفي وصف النافورة يقول سليمان:

«وربما رؤي في هذا البحر، سحاب ابيض يظل المركب، فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر فيغلي له ماء البحر، فلا ادري أيستقي السحاب من البحر أم ماذا.»
الشاي

ويعتبر سليمان السيرافي أول مؤلف غير صيني أشار إلى الشاي وذلك حين ذكر أن ملك الصين، يحتفظ لنفسه بالدخل الناتج من محاجر الملح، ثم من نوع من العشب يشربه الصينيون مع الماء الساخن، وهو يبيع منه الشيء الوفير، ويسميه أهل الصين (ساخ).

وصف جزر الهند

قال في وصف بعض جزر الهند، أن لأهلها ذهباً كثيراً، وأكلهم النراجيل، وبه يتأهدون، ومنه يدهنون. وإذا أراد أحدهم أن يتزوج لم يُزوج إلا برأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين تزوج اثنتين… وأن قتل خمسين، يتزوج خمسين إمرأة بخمسين (قحفاً).

المسلمون في الصين

كانت هناك جموع من المسلمين في الصين في عهد أسرة تانگ، التي حكمت الصين من عام 618 م إلى عام 906م. وكان اغلبهم من التجار . كان المسلمون يبحرون من البصرة ومن سيراف على خليج الفرس – أو الخليج الصيني كما كانوا يسمونه آنئذ- وكانت سفن الصين الكبيرة تصل إلى سيراف وتشحن البضائع الواردة إليها من البصرة وتعبر المحيط الهندي مارة بسرنديب حتى تصل إلى خانفو، حيث كانت تعيش جالية إسلامية كبيرة إلا أنها خربت عام 264 هجري (878 ميلادي) بسبب القلاقل العظمى في الصين حيث قتل كثير من المسلمين. ومن بعد ذلك اقتصر سفرهم إلى كلاه في منتصف الطريق إلى الصين، واليها كانت تنتهي مراكب المسلمين المقبلة من سيراف. وكانت الرحلة تستغرق زهاء عام كامل، تبعاً لهبوب الرياح الموسمية في المحيط الهندي (كما هو معلوم في علوم الجغرافيا في ذلك العصر).

مدينة خانفو

مدينة عظيمة في الصين على نهر عظيم أكبر من الدجلة أو نحوها يصب إلى بحر الصين، وبين هذه المدينة وبين البحر مسيرة ستة أيام أو سبعة، تدخل هذا النهر سفن البحر الواردة من بلاد البصرة وسيراف وعمان ومدن الهند وجزائره بالأمتعة والجهاز، وبهذه المدينة خلائق من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس، وغيرهم من أهل الصين، وكان نزل بهذه المدينة في سنة أربع وستين ومائتين ثائر ثار على ملك الصين من غير بيت الملك تبعه أهل الدعارة والفساد، وكثر جنده فقصد هذه المدينة فحاصرها وأتته جيوش الملك فهزمها واستباح الحريم، وافتتح هذه المدينة عنوة وقتل من أهلها خلقاً لا يحصون كثرة، وأحصي من المسلمين واليهود والنصارى ممن قتل وغرق مائة ألف، وإنما أحصي ما ذكرناه من العدد لأن ملوك الصين تحصي من في مملكتها من رعيتها وممن جاورها من الأمم وصار ذمة لها في دواوين لها، وكتاب قد وكلوا بإحصاء ذلك لما يراعون من حياطة من شمله ملكهم، وقطع هذا الثائر ما كان حول مدينة خانفو من غابات التوت إذ كان يحتفظ به لما يكون من ورقه من طعم لدود القز الذي ينتج منه الحرير.

البال أو الحوت

ويقول التاجر سليمان في وصف الحوت وهو المعروف باسم البال أو القيطس أو العنبر:

«رأى سمكا مثل الشراع ربما رفع رأسه فتراه كالشيء العظيم وربما يقع الماء من فيه، فيكون كالمنارة العظيمة. فإذا سكن البحر اجتمع السمك فحواه بذنبه ثم فتح فاه فيرى من جوفه يفيض كانه يفيض من بئر. والمراكب التي تكون في البحر تخافه فهم يضربون بالليل بالنواقيس مثل نواقيس النصارى مخافة ان يتكئ على المركب فيغرقه.»
ويضيف أبو زيد حسن السيرافي في قوله[2]:

«وهذا الحوت المعروف بالبال ربما عمل من فقار ظهره كراسي يقعد عليها الرجل ويتمكن، وذكروا أن في سيراف قرية على عشرة فراسخ، بيوتاً عادية لطافا سقوفها من أضلاع هذا الحوت. وسمعت من يقول أنه وقع في قديم الأيام إلى قرب سيراف منه واحدة فقصد للنظر إليها فوجد قوماً يصعدون ظهرها بسلم لطيف والصيادون إذا ظفروا بها طرحوها بالشمس وقطعوا لحمها، وحفروا لها حفراً يجتمع فيها الودك ويغرف فيها الودك من عينيها بالحرارة إذا إذابتها الشمس فيجمع ويباع من أرباب المراكب. ويخلط باخلاط لهم يمسح بها مراكب البحر ويسد بها خرزها ويسد أيضا ما يتفق من خرزها.»

تتميز رحلة التاجر سليمان، وتذييل أبي زيد السيرافي لها، بما فيهما معا من وصف صادق للطرق التجارية، وذكر بعض العادات، والنظم الاجتماعية والاقتصادية مع بيان أهم منتجات الهند وسرنديب وجاوة والصين وعلاقة المسلمين بالصين في القرنين الثالث والرابع. وبطبيعة الحال لعبت الخرافات والأساطير دورها في تلك الرسالة القيمة وخصوصا في وصف ظواهر الجو الخارقة مثل نافورة الماء وفي وصف حيوانات البحر مثل الحوت أو العنبر.

وتعتبر رحلة التاجر سليمان هذه، أول مرجع لعلوم البحار، وهي مخطوطة فريدة في مكتبة باريس، تحمل اسم رحلة التاجر سليمان ولم يكن سليمان وحده صاحب الرسالة بل أضاف اليها أبو زيد حسن السيرافي ما جمع من معلومات وما استقى من اخبار على ألسنة التجار ورجال البحر في بلدة سيراف.

نافورة الماء

وتتحدث الرسالة عن صفات البحر الطبيعية وعن أنوائه وأعاصيره وعن أحيائه ودوابه وفي وصف النافورة يقول سليمان:

«وربما رؤي في هذا البحر، سحاب ابيض يظل المركب، فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر فيغلي له ماء البحر، فلا ادري أيستقي السحاب من البحر أم ماذا.»
الشاي

ويعتبر سليمان السيرافي أول مؤلف غير صيني أشار إلى الشاي وذلك حين ذكر أن ملك الصين، يحتفظ لنفسه بالدخل الناتج من محاجر الملح، ثم من نوع من العشب يشربه الصينيون مع الماء الساخن، وهو يبيع منه الشيء الوفير، ويسميه أهل الصين (ساخ).

وصف جزر الهند

قال في وصف بعض جزر الهند، أن لأهلها ذهباً كثيراً، وأكلهم النراجيل، وبه يتأهدون، ومنه يدهنون. وإذا أراد أحدهم أن يتزوج لم يُزوج إلا برأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين تزوج اثنتين… وأن قتل خمسين، يتزوج خمسين إمرأة بخمسين (قحفاً).

المسلمون في الصين

كانت هناك جموع من المسلمين في الصين في عهد أسرة تانگ، التي حكمت الصين من عام 618 م إلى عام 906م. وكان اغلبهم من التجار . كان المسلمون يبحرون من البصرة ومن سيراف على خليج الفرس – أو الخليج الصيني كما كانوا يسمونه آنئذ- وكانت سفن الصين الكبيرة تصل إلى سيراف وتشحن البضائع الواردة إليها من البصرة وتعبر المحيط الهندي مارة بسرنديب حتى تصل إلى خانفو، حيث كانت تعيش جالية إسلامية كبيرة إلا أنها خربت عام 264 هجري (878 ميلادي) بسبب القلاقل العظمى في الصين حيث قتل كثير من المسلمين. ومن بعد ذلك اقتصر سفرهم إلى كلاه في منتصف الطريق إلى الصين، واليها كانت تنتهي مراكب المسلمين المقبلة من سيراف. وكانت الرحلة تستغرق زهاء عام كامل، تبعاً لهبوب الرياح الموسمية في المحيط الهندي (كما هو معلوم في علوم الجغرافيا في ذلك العصر).

مدينة خانفو

مدينة عظيمة في الصين على نهر عظيم أكبر من الدجلة أو نحوها يصب إلى بحر الصين، وبين هذه المدينة وبين البحر مسيرة ستة أيام أو سبعة، تدخل هذا النهر سفن البحر الواردة من بلاد البصرة وسيراف وعمان ومدن الهند وجزائره بالأمتعة والجهاز، وبهذه المدينة خلائق من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس، وغيرهم من أهل الصين، وكان نزل بهذه المدينة في سنة أربع وستين ومائتين ثائر ثار على ملك الصين من غير بيت الملك تبعه أهل الدعارة والفساد، وكثر جنده فقصد هذه المدينة فحاصرها وأتته جيوش الملك فهزمها واستباح الحريم، وافتتح هذه المدينة عنوة وقتل من أهلها خلقاً لا يحصون كثرة، وأحصي من المسلمين واليهود والنصارى ممن قتل وغرق مائة ألف، وإنما أحصي ما ذكرناه من العدد لأن ملوك الصين تحصي من في مملكتها من رعيتها وممن جاورها من الأمم وصار ذمة لها في دواوين لها، وكتاب قد وكلوا بإحصاء ذلك لما يراعون من حياطة من شمله ملكهم، وقطع هذا الثائر ما كان حول مدينة خانفو من غابات التوت إذ كان يحتفظ به لما يكون من ورقه من طعم لدود القز الذي ينتج منه الحرير.

البال أو الحوت

ويقول التاجر سليمان في وصف الحوت وهو المعروف باسم البال أو القيطس أو العنبر:

«رأى سمكا مثل الشراع ربما رفع رأسه فتراه كالشيء العظيم وربما يقع الماء من فيه، فيكون كالمنارة العظيمة. فإذا سكن البحر اجتمع السمك فحواه بذنبه ثم فتح فاه فيرى من جوفه يفيض كانه يفيض من بئر. والمراكب التي تكون في البحر تخافه فهم يضربون بالليل بالنواقيس مثل نواقيس النصارى مخافة ان يتكئ على المركب فيغرقه.»
ويضيف أبو زيد حسن السيرافي في قوله[2]:

«وهذا الحوت المعروف بالبال ربما عمل من فقار ظهره كراسي يقعد عليها الرجل ويتمكن، وذكروا أن في سيراف قرية على عشرة فراسخ، بيوتاً عادية لطافا سقوفها من أضلاع هذا الحوت. وسمعت من يقول أنه وقع في قديم الأيام إلى قرب سيراف منه واحدة فقصد للنظر إليها فوجد قوماً يصعدون ظهرها بسلم لطيف والصيادون إذا ظفروا بها طرحوها بالشمس وقطعوا لحمها، وحفروا لها حفراً يجتمع فيها الودك ويغرف فيها الودك من عينيها بالحرارة إذا إذابتها الشمس فيجمع ويباع من أرباب المراكب. ويخلط باخلاط لهم يمسح بها مراكب البحر ويسد بها خرزها ويسد أيضا ما يتفق من خرزها.»
الخبر الحياة ـ المعرفة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.