وكالة أنباء موريتانية مستقلة

اللغة العربية و برامجها الرقمية/نعمة نعمة

منذ فترة طويلة، تسعى وزارات ومؤسسات بحثية تربوية إلى إيجاد موارد تعليمية في اللغة العربية، لكن أياً منها لم يتوصل إلى موارد قابلة للاعتماد والتعميم على نطاق واسع. ولم تأتِ المعلوماتية بحلول عميقة لتلك الإشكالية. وعلى رغم ظهور بعض البرامج الحاسوبية لتعليم العربية في السنوات الماضية، فإنها لم تصمد طويلاً، بل سُحبت من التداول التربوي، بمعنى أنها لم تقدم الحلول المنشودة. وإذ تعجز المؤسسات العربية عن توفير موارد لغوية رقمية تحوز من الكفاءة ما يكفي لإدراجها في مناهجها التعليمية للعربية، تظهر صورة معاكسة في كثير من اللغات الأخرى التي أدى تفاعلها مع التقنية المعلوماتية إلى فورة في مواردها التعليمية رقمياً. وتعبر تلك الصورة عن نفسها بجلاء في واقع إقبال الطلبة العرب على دراسة لغات أجنبية بواسطة تقنيات رقمية تجعل التمكن منها أمراً سهلاً، فيما يستمر غياب الموارد الرقمية العربية الكفوءة لحد الآن، ما يوسع الهوة بين أجيال الشباب العرب ولغتهم.

الحوسبة واللغة

في علوم المعلوماتية والحوسبة، تتألف الموارد اللغوية في مساحتين. ويتمثل أولهما في الموارد المعجمية التي تشمل الأفعال والأسماء والحروف والتكوين الشكلي- الصوتي (مورفوفونولوجي) للكلمات، وتكوين المفردات والمتغيرات الإملائية. ويتجسد الثاني في الموارد النحوية، أي بناء الجمل وتكوينها.

ثمة مثال مألوف عن الموارد الرقمية للعربية، يتمثله المدقق الإملائي في «مايكروسوفت أوفيس» الذي طالما أثار أسئلة عن مدى كونه مورداً لغوياً فعلياً.

ففي العام 1997، ضمنت شركة «مايكروسوفت» برامج «أوفيس»، مدققاً إملائياً عربياً من صنع شركة «كولتك.كوم» Coltec.com المصرية التي يأتي اسمها من الحروف الأولى لعبارة Computer & Language Technology، وتعني حرفياً «الكومبيوتر وتكنولوجيا اللغة». وتكون انطباع واسع لدى الجمهور الإلكتروني العربي بأن ذلك المُدقق لم يكن بالدقة اللازمة. لذا، عمدت مايكروسوفت إلى استبدال مدقق صنعه فريق من خبرائها به، يستند في جزء من عمله إلى مكنز أساسي يتمتع بمرونة تمكنه من قبول تغذيته بمفردات يقدمها الجمهور، ما يساهم في تجديده بطريقة مستمرة.

وهناك آلية مشابهة معتمدة في الهواتف الذكية. وعند كتابة كلمة ما وتكرارها تدخل تلقائياً في مكنز الهاتف، فيصبح لدى المستخدم «قاموس» للكلمات التي يستعملها في كتابة الرسائل النصية على الهاتف. وفي المقابل، يتطلب تعميم تلك الطريقة توافر آلية عمل معقدة، وفريق تدقيق ومراقبة وتحديث للمداخل المعجمية، إضافة إلى ضرورة التنبه إلى دخول مفردات عامية وأخطاء شائعة إلى ذلك المكنز. وكذلك تغيب القدرة على توليد المفردات عن ذلك المكنز، بمعنى أن الكلمة التي تدخل بصيغة المذكر مثلاً، لا يصنع المكنز لها مؤنثها أو صيغ جمعها، وكذلك الحال بالنسبة إلى مسألة إدخال سوابق ولواحق على الكلمات المفردة، ما يوجب إدخال تلك الصيغة بصورة مستقلة. وتالياً، عندما تسير الأمور على ذلك النحو، يتضخم المكنز ويصبح مثقلاً بملايين المفردات، وهو أمر يشكل عائقاً ضخماً أمام سهولة استعماله.

وبالنتيجة، يؤدي مزيج التضخم وانخفاض الدقة وضآلة المصادر اللغوية الموثوقة وغيرها، إلى عدم صلاحية استخدام ذلك المدقق الإملائي مورداً لغوياً فعلياً للعربية.

لجأت مراكز بحثية وجامعية عربية، من بينها «الجامعة العربية» ومنظمة الـ»ألسكو» («المنظمة العربية للثقافة والفنون») إلى دعم إنتاج موارد لغوية رقمية بهدف تحسين جودة التعليم عبر استخدام التقنية. وتقاطع ذلك مع تراجع مستوى تعليم اللغة العربية في بلدان كثيرة كان بعضها يبحث أيضاً عن حوافز لتعزيز الموارد اللغوية الرقمية. وعلى رغم النوايا الطيبة، لم تتوصل تلك المراكز البحثية حتى الآن، إلى إصدار مورد معجمي وتصريفي يمكن الوثوق به في إنتاج برامج رقمية تعليمية للغة العربية.

في منظور التقنية الرقمية، تتمثل الإشكالية الكبرى في معالجة اللغة العربية في إيجاد حلول لمجموعة كبيرة من قواعد الصرف والإملاء والمورفونولوجيا، تتضمن صياغة ملفاتها وجداولها الرقمية، كي تعمل بسرعة وكفاءة. ويسعى المبرمجون إلى حل تشابكات تلك الأمور وتضارباتها وتقاطعاتها.

تميز «يوني تيكس»

بعد سنوات من العمل، لم يظهر منتج قابل للتوظيف في التعليم والتدقيق الإملائي، والتشكيل (المعجمي والإعرابي)، وتوليد الكلمات (على غرار تصريف كل فعل في حالاته كلها، أو تأنيث المفردة ومثناها وجمعها انطلاقاً من المفردة نفسها) والتحليل بمعنى تفكيك المفردة وتجريدها من السوابق واللواحق، وربطها بمدخلها المعجمي وجذرها وغيرها. ومن أسباب المشاكل، إعطاء الأولوية للمقاربة التقنية ونُظُم البرامج، على حساب المقاربات والحلول الصرفية والنحوية، ذلك أن المبرمجين ليسوا خبراء لغة، لكنهم هم من يوجهون الدفة. لا تنتهي مشكلة الموارد التعلمية للغة العربية عند ما ورد ذكره، بل تشمل عدم استيفاء البرامج الحاسوبية الشروط الدنيا لتوليد المداخل المعجمية وتحليلها، على رغم وجود محاولات جدية كثيرة في ذلك المجال.

وتتضمن قائمة المشاكل أيضاً خضوع البرامج الرقمية لنُظم البرمجيات الغربية، التي لا تبدو متلائمة مع اللغة العربية عموماً، على رغم وجود استثناء يمثله نظام «يوني تكس» UNITEX الذي أدخل تعديلات على نُظُم برمجته كي يصبح متلائماً مع العربية. ويبقى السؤال مستمراً عن جهود العالم العربي في إيجاد حل لجوهر المشكلة المتمثل في صناعة موارد رقمية حقيقية للصالح العام، وعدم الاكتفاء بتلزيمات واستثمارات تنفق عليها أموال كثيرة، من دون الوصول إلى حلول فعلية.
اختصاصي تربوي لبناني…بتصرف في العنوان ؟

  1. الاسم يقول

    ارى ان نفس المشكلة تعاني منها بقية اللغات ايضا والعربية في ذلك كغيرها من اللغات

  2. عزيزه يقول

    من يقرا النص يعتقد ان اللغه العربيه فقط عندها تلك المشاكل لكن الواقع اكثراللغات تعاني ايضا وشكرا

  3. حسين عبروس/ الجزائر يقول

    كلما تناول أحد موضوع الثقافة والمعرفة.جعل العربية أم المشاكل والكوارث في استعابها مفهوم التكنولوجيا المعاصرة.والحقيقة ان الموضوع يشمل جميع اللغات العالمية.فرفقا أيها الناس بلغة الضاد.

  4. مسعود عين كرشة جزائري يقول

    بسم الله. تطور اللغة العربية بلسان عربي …….. وايضا تعمق دراسة كتاب المرسل. مع ترجمة الكتب العامية والاهتمام بها. والسلام.

  5. محمد يقول

    اللغه العربيه اقوى لغات العالم ولغه الاسلام يكفي انها افضل لغات العالم

  6. ناصر يقول

    ولا ننسى أيضا صعوبة التعرف الرقمي على الصور التي تحتوي على كلمات عربية. فغالبية الدعم العربي الموجود في برمجيات اللغة كان لسبب بناء تلك البرمجيات بشكل يدعم أكبر عدد من اللغات. ولكن شكل رسم العربية المتصل الحروف يفرقها جوهريا عن غالب اللغات اللاتينية. وعلى سهولة هذه المشكلة برمجيا وعلميا, إلا أنها تحتاج لدعم خاص كونها حاجة خاصة بأسباب الارشفة التي لا يحتاجها عامة مستخدمي برامج تحرير النصوص.

  7. نعمه نعمه يقول

    شكرا لتعليقاتكم، أود أن أوضح أن المقال المذكور ليس لتقييم اللغة أو تصنيفها، هذا أمر خارج الجدل.. المسألة التي يطرحها المقال هي مكننة اللغة العربية، وليس دقيقاً الكلام ان اللغات الغربية تعاني من صعوبات مماثلة للغتنا، فغالبية الكلمات والصرف والنحو فيها لها هيكلية وتصميم وآلية توليد أبسط من لغتنا وتغيراتها الإملائية اسهل بكثير من العربية، مثال: Kid/Kids أما العربية ولد/ أولاد .. التغيير يطال وسط الكلمات عدا عن التحولات التي تصيب الكلملة العربية والتي تتحول الى تغيير كبير ومعقّد في كتابتها: إمام/أئمة.. ولم نتحدث عن الصرف حيث نلاحظ التغيرات في الكلمات مثل: وقى/ قِ (بالأمر)، ناهيك عن الضمائر المتصلة … هذه من خصائص اللغة العربية الأكثر تعقيدا في مجال الحوسبة. أما القول أننا نعيد المشكلة الى لغتنا للتقليل من دورها في هذه المقال فهو قول غير دقيق علميا فما نقوم به هو في الحقيقة عكس ما ورد في بعض التعليقات، فنحن نعمل بشكل علمي ودقيق جدا للتعمق في العقبات التي تحول دون مكننة اللغة العربية بشكل سليم و نجحنا في مجالات عديدة مثل تصريف الأفعال و جمع التكسير ونيتنا المعلنة والمضمرة هي ايجاد حلول.

  8. نعمه نعمه يقول

    شكرا لتعليقاتكم، أود أن أوضح أن المقال المذكور ليس لتقييم اللغة أو تصنيفها، هذا أمر خارج الجدل.. المسألة التي يطرحها المقال هي مكننة اللغة العربية، وليس دقيقاً الكلام ان اللغات الغربية تعاني من صعوبات مماثلة للغتنا، فغالبية الكلمات والصرف والنحو فيها لها هيكلية وتصميم وآلية توليد أبسط من لغتنا وتغيراتها الإملائية اسهل بكثير من العربية، مثال: Kid/Kids أما العربية ولد/ أولاد .. التغيير يطال وسط الكلمات عدا عن التحولات التي تصيب الكلملة العربية والتي تتحول الى تغيير كبير ومعقّد في كتابتها: إمام/أئمة.. ولم نتحدث عن الصرف حيث نلاحظ التغيرات في الكلمات مثل: وقى/ قِ (بالأمر)، ناهيك عن الضمائر المتصلة … هذه من خصائص اللغة العربية الأكثر تعقيدا في مجال الحوسبة. أما القول أننا نعيد المشكلة الى لغتنا للتقليل من دورها في هذه المقال فهو قول غير دقيق علميا فما نقوم به هو في الحقيقة عكس ما ورد في بعض التعليقات، فنحن نعمل بشكل علمي ودقيق جدا للتعمق في العقبات التي تحول دون مكننة اللغة العربية بشكل سليم ونجحنا في مجالات عديدة مثل تصريف الأفعال وجمع التكسير ونيتنا المعلنة والمضمرة هي ايجاد حلول.

  9. سعد ديب يقول

    نحييكم ونحيي جهودكم لتذليل العقبات لتطوير هذه الشؤون البرمجية. لا شك أنّ دونها عقبات ليست أكثر مما يوجد في اللغات الأخرى. لكن من حقّنا نحن العرب أن نسعى لتقديم الجهود والاسراع في ايجاد الحلول. وعدم الاتكال على حلول آتية من خارجنا لأن ما يستطيع تحقيقه الناطق بالعربية أدقّ مما قد يدركه غيره..

  10. نعمه نعمه يقول

    ماما استاذ سعد اشكر ثقتك بقدرات المبدعين العرب بالرغم من الصعوبات والعقبات التي تعترضهم لا سيما من مؤسساتهم الرسمية حيث لا يجدون الرعاية ولا الدعم فيلجؤون للغرب احياناً لأنهم لا يجدون مكاناً لهم في اوطانهم.

  11. نعمه نعمه يقول

    تماما استاذ سعد اشكر ثقتك بقدرات المبدعين العرب بالرغم من الصعوبات والعقبات التي تعترضهم لا سيما من مؤسساتهم الرسمية حيث لا يجدون الرعاية ولا الدعم فيلجؤون للغرب احياناً لأنهم لا يجدون مكاناً لهم في اوطانهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي