لا يمكننا الحديث عن طاقة دائمة ومتجددة في ثروات الأرض، فالمغرب العربي يزخر بالثروات الباطنية ولكن بلدا مثل الجزائر سيكون من البلدان المستوردة للطاقة خلال 15 أو 20 سنة في أقصى تقدير في مجالي النفط والغاز. بينما تعيش تونس بين قطرين كبيرين الجزائر وليبيا الغنيتان بالهيدروكربير.
نحن نعيش في عالم تغيير حقيقي وقطيعة تكنولوجية، والناس لا يعرفون ما يحدث واثر ذلك في اقتصاديات البلدان واحوال الناس ومعاشهم. يعني ذلك ان تقنيات اليوم المتوفرة في الاسواق المتخصصة ستكون لأسواق رائدة، وكل ما يمكن ان ينقل اقتصاديات الغد الى الافضل موجود فقط لدى اقتصاديات الصناعة للبلدان المتقدمة التي بدات تشتغل على هذه الرؤية منذ مدة طويلة، وهم الآن في طور التخطيط العملي ولم يقفوا عند مجرد الرؤية. فسنة 2030 بالنسبة اليهم هي الغد القريب وليس اليوم الآخر غير المعلوم.
والسؤال المركزي اليوم حول رهانات الطاقة والصناعة لبلداننا:
كيف نحسن من الموجود ونجعله مصدر تفاؤل اقتصادي ونحافظ عليه؟ وكيف يمكن ان نتموقع مع موارد الطاقة الجديدة ومن يسيطر على التكنولوجيا هو من سيسيطر على الاسواق حتما؟
الحرب القادمة هي حرب معرفة وهي التي سنحدد من يستطيع البقاء في دائرة المنافسة. ونحن نملك الكثير ان اردنا ان نتموقع في هذه التغييرات التكنولوجية. وليس من الحكمة ان نستثمر في تقنيات هي في طريق الموت والاندثار من ساحة التعامل في مجال الاقتصاد واقصد بذلك التكنولوجيات الثقيلة المترهلة إذا ماقارنتها بالقادم من التكنولوجيات. فلدينا ثلاثة مضايق بحرية رئيسية في العالم العربي: جبل طارق قناة السويس وباب المندب اين تمر 6 ملايين برميل نفط يوميا وحيث انخفض سعر النفط ولن يتجاوز 100 دولار في السنوات القادمة .
الاقتصاد والسيادة الطاقية والاقتصادية:
يتكون اقتصاد اي بلد علميا من ثلاثة قطاعات، القطاع الاساسي والثانوي والخدماتي. والاساسي المقصود به المواد الاولية كالفلاحة والثروات الطبيعية والمنجمية، بينما الثانوي يتمثل في تحويل المواد الاولية الى مواد بقيمة مضافة من خلال التصنيع، والقطاع الثّالث هو قطاع الخدمات من سياحة وتامينات وتجارة… وعندما يكون لدينا اقتصاد يعمل بشكل جيّد و دائري تشتغل كل الاقتصاديات في دورة منتظمة وناجعة وبتوازن.. والإخفاق الفظيع في كل بلدان المغرب العربي هو في القطاع الثاني وهو القطاع الثانوي اي الذي يقع فيه تحويل المنتج الاولي الى منتج بقيمة مضافة، ونقصد هنا قطاع الصناعة والتحويل وهو قطاع منفلت وغير مهيكل يجعل ثرواتنا تهرب منا بثمن بخس بالكامل و بسهولة نادرة وعجيبة.
وعندما نفكر في الصناعة في اي بلد، يتساءل الخبراء:
ماذا لدينا من مصادر طاقة وثروات باطنية وطبيعية؟ ما هي التي تكون ضرورية وما هي التي يتوجب علينا استيرادها؟ وماهي المواد التي لا يمكنا استيرادها البتة مهما حاولنا؟
الغريب أن العديد من البلدان رصيدها صفر في المواد الاولية والثروات الباطنية ولكنها كانت رائدة في القيمة المضافة ولا تشعر فيها انه يلدان تفتقد الى العنصر الاول الطبيعي لان القيمة المضافة التي تضيفها الى المنتج من المادة الاولية المستوردة يكون جيدا وريعه كبير يعوض ريع الثروات الباطنية.وأقصد بذلك بلدان مثل سويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة التي تستورد ماء الشرب. نحن إزاء لعنة لعنة الثروات في منطقة المغرب العربي لاننا لدينا استراتيجيات قصيرة المدى ،court-termiste و ننهك الاقصى من ثرواتنا ثم نتساءل بعد ذلك ماذا يمكننا فعله في ماتبقى من ثروات تنضب بمرور السنين. كل هذا الوضع لا يمكنه ان يتواصل مع اقتصاديات مترهلة نمو ديمغرافي متصاعد في بلدان المغرب العربي الشابة ديمغرافيا والذي يتواصل فيه هجرة الشباب الى الضفة الاخرى من المتوسط هربا من حياة يائسة في بلدانهم، فيها وضع بائس جدا فيها واحلام موؤودة. فالكثير من الدكاترة في الفيزياء والكيمياء والقطاعات تجدهم يشتغلون في مركز اتصال بائسة بثمن بخس، لا يتطلب الشغل فيها سوى محوالامية.
لعنة الثرّوات :
نحن نقيم صناعة ترسف الى الاسفل وعقولنا تهاجر يوميا. تدل الخرائط الافريقية من مصادر حقيقية مثل مؤسسات: think- tank وlinks-،informations système ،usgs وong أن في منطقة المغرب العربي مناجم للذهب والزّنك والحديد والفسفاط والفضة والمنغنيز واليورانيوم الموجود في الفسفاط بكثرة. وفي مجال الثروات النفيسة نرى انه في منطقة المغرب العربي توجد مناجم الذهب والفضة بكثرة والمنغنيز، ونجد الاحواض والهيدروكاربونات، وهو ليس غاز الشيست طبعا ولكنه الغاز الطبيعي التقليدي. والاهم من ذلك ان المغرب العربي يحوي اكبر مصدر للمياه في العالم للمياه العذبة وهو تحت ارجلنا في مائدة مائية شاسعة. لدينا اقل من 500 متر مكعب لكل مواطن في السنة وتحت رجليه 30 مليار متر مكعب من الماء، الماء يسخر من الحدود بين البلدان ويتجول تحت ارضها بحرية. وإذا ما لُوث هذا الماء من اي بلد من بلدان المغرب العربي فكل البلدان الاخرى ستدفع الثمن باهضا ولكل سكان المغرب العربي البالغ عددهم 100 مليون نسمة . رهانات المستقبل حسب المخابرات الامريكية هي الطاقة والماء والفلاحة. الماء ياتي من جبال الاطلس ويمر الى تونس وهو تراث مغاربي اصيل في المنطقة. و غاز الشيست هي حجر مكثف اين توجد الهيدروكاربيرات مخزنة والحجر يقوم بدور الفلترة بين المواد الثقيلة وهو ثروة جديدة. ولكن يجب علينا ان نحدد السياسة الطاقية لكل البلدان، التي تحدد حسب حاجات البلد من كل مادة وتحدد ايضا بالصناعة ي تحويل المادة الاولية الى منتج تحويلي. وفي الاصل السياسة في الطاقات يجب ان تحدّد برؤية لا تقل عن 25 سنة مستقبلا حتى تكون لها مردودية هامة وناجعة. الامر هام في المنطقة وفي موريطانيا هم بصدد تعديل رؤية في الطاقة تنحو نحو مزيد من الشفافية لان 30 % من الدخل الوطني الموريطاني هو من ريع الثروات المنجمية. بينما في تونس لا نعرف تحديدا كم تمثل الثروة الباطنية والمنجمية من الدخل الوطني الخام .وعندما طرحت السؤال عن وزير المالية وجدته لا يعرف شيئا عن الوضع. المشكلة ان البلدان الاجنبية تعلم كم تساهم مناجمنا في دخلنا الوطني الخام بينما لايعرف مواطنو المغرب العربي ذلك. فلابد لك ان تمر بمراكز البحوث الاجنبية لتعرف ما هي مصادر الطاقة في بلدك وهو شيئ عجيب ونادر وهذا سؤال حارق. ولتدرك قيمة لثروات الباطنية علينا ان نعرف ان التحليل المنجمي من كل طن واحد من الفسفاط يثبت وجود 150 غرام من اليورانيوم الطبيعي. وإذا كان لديك20 مليار طن من منجم فسفاط فعليك حساب النسبة حينذاك كم تبلغ 500 كغ من اليورانيوم -235- يمكنه ان يشغل مفاعلا نوويا ب2 جيغوات لمدة سنة كاملة. و ويزداد الامر غرابة حين نعرف ان البروفيسور الذي عرف طريقة استخراج الاورنيوم من الحامض الفوسفوري هو البشير التركي، عالم تونس وفيزيائي نادر وكان ذلك في الستينات من القرن الماضي. ثم طُورت التكنولوجيا من البروفيسور”ياد” من جامعة “برفوقيان” واستطاعو ان ان يجدوا نسبة فصل بين الحامض الفوسفوري واليورانيوم تصل الى 85 بالمائة. 70.000 طن في العام هي الاحتياجات من اليورانيوم في العالم ولأرض تقدم منه 40 بالمائة فقط يعني ان هنالك يورانيوم مرسكل ليفي بالاحتياجات .
سنة 2009 كان طن الفسفاط يساوي 500 دولار، وهو اليوم يساوي 100 دولار فقط. والمغرب هو الذي يعدل السوق وفي القديم كانت تونس هي من تعدّل السعر. وحين نقوم بوحدة بين المغرب وتونس في الفسفاط والجزائر وموريطانيا يصير كل العالم في مجال الفلاحة والاسمدة بايدينا ونستطيع أن نتحكمّ في سوق الاسمدة في العالم، وهذا غير ممكن بثمن 100 دولار فقط. ولذلك يجب على القرار في كل بلدننا ان يكون متوافقا مع سيادة اوطاننا وثرواتها. تونس لها 1400 كم شواطئ، والجزائر يبلغ طول شريطها الساحلي 1600 وهي عملاق متوسطي بالاضافة الى ليبيا التي تملك 2260 كم سواحل. ويمكننا ان نقوم باستراتيجية انشاء المفاعلات الشمسية المندمجة و أيضا تكنولوجيا المرايا الهوائية. المانيا تستغل 47 من الطاقة الشمسية وهي بلد ليس فيه شمس، الرمل فيه “ديوكسيد دو سليسيوم” ويمكننا ان نفعل به “كابير السليسيوم” العضوي للجراحة. والرمل التونسي يباع ب35 اورو للطن الواحد، وبْلاكَات واحدة من السيلسيوم تساوي 100 اورو. وثمن الطن الواحد من الرمل يصير عشرة الاف اورو بالتصنيع. كل هذا يحدث هذا لاننا الغينا وطردنا المعرفة. فمن سنة 1955 الى الان لم نتطور بالقدر الكافي، والواقع لبلداننا منذ خطاب نهرو في الهندال مؤسسها جواهر لال نهرو :”اسيا لن تبقى خاضعة ولا مهمين عليها من اي بلد او قارة، ونحن من كبار البلدان في العالم نريد ان نعيش احرارا دون ان نتلقى الاوامر من احد”. وهو حينذاك يسترجع قول والجنرال ديغول في فرنسا: “ليس لدينا اعداء ولا اصدقاء ولكن لدينا مصالح“. والهند اليوم هي صاحية اول قمر صناعي على كوكب مارس قبل الامريكان والروس.
ماذا نملك ؟
الفسفاط، من بين الاجود في العالم، موجود في تونس والمغرب الاقصى. وكذلك وهو ما تقايضه تونس مع نوع ثان اقل جودة لبربح فارق الجودة بعد تكريره في تونس ستير جرزونة ومصاف اخرى، وهو اجود من البترول الاوكراني. وتونس كانت مطمورة روما في القديم والجزائر تقرض فرنس وهي اليوم تستورد65% من احتياجها من القمح والحبوب، والمغرب 40% والجزائر تقريبا 80% وليبيا 100% وبقية البلدان العربية لا تبتعد عن هذه النسبة. والحروب القادمة هي الماء والجوع والغذاء. عندما تفتقد الى الاستراتيجيا فانك تفتقد الى الطموح، وهم اقوياء ولا بدّ ان تساوم وتقاوم معهم في السوق العالمي فهم يتفوقون في كل شيئ، وحتي في مجال السياحة، فلهم سياحة كيفية في الضفة الشمالية بمائة اورو للغرفة بينما نحن سياحتنا كميّة في الضفة الجنوبية وضعيفة الدخل. نحن في المغرب العربي نصدّر 80 بالمائة من المواد الخام ونستورد 80 % من المنتج المصنع من موادنا الخام، وهو وضع تعيشه كل الدول الافريقية. وعندما تزيد التعمق تجد ان المواد المصنعة نفسها هي من تصميم مهندسينا الذين هاجروا الى الغرب الذين لم يجدوا اهتمام ولا شغلا في بلدانهم، وتكون المصيبة اكبر وشاملة ومزرية تثير سخرية العاقل. وعندما تتجاوز نسبة ارتهانك ا لى مزوّدك باكثر من 25 بالمائة، عليك ان تدرك أن الخطا والتوتّر مع المزود يمكنه لأن يقتل مشروعك نهائيا. ولمعرفة حجم التغير في مراتب الدول باعتماد المعرفة او طردها، كان معدل الدخل الفردي في السنة لتونس 350 دولارا في الخمسينات، بينما كانت كوريا لا تتجاوز 150 دولا. واليوم كوريا الجنوبية هي القوّة الاقتصادية في العالم وتحتل المرتبة 12.
المصدر: مركز الدراسات الاستراتيجية و الديبلوماسية