الأكراد يشكون تعاون عرب مع «تنظيم الدولة»

«القدس العربي»: جاء حديث الناطق باسم الجيش العراقي الجنرال قاسم عطا ونقلته صحيفة «التايمز» البريطانية حول صعوبة استعادة السيطرة على مدينة الموصل من يد مقاتلي الدولة الإسلامية- داعش إلا بتعاون من أهلها، مذكرا بالمهمة الصعبة التي تواجه القوات العراقية، الكردية والمعارضة السورية والولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة للسيطرة من جديد على مناطق «الدولة الإسلامية» التي عززت مكاسبها في حزيران/يونيو وأكدتها بسيطرتها على قاعدة عسكرية سورية في الرقة مما يجعل هذه المدينة أول محافظة سورية تخرج عن يد النظام.
وتعبر تصريحات عطا الذي لم يكن يتوانى في وصف انتصارات القوات العراقية على المقاتلين من داعش الذين تقدموا في مناطق واسعة من شمال وغرب العراق عن المهمة التي تواجه رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي الذي لا يزال يتفاوض من أجل تشكيل حكومة شراكة وطنية. وقال الجنرال عطا ان القوات العراقية لن تستطيع استعادة الموصل بدون دعم سكانها وقوات الشركة البالغ عددها 53.000 من ذابت وانهارت مع تقدم قوات داعش نحو المدينة. وقال «من الصعب الحديث عن جدول زمني ولكن الوضع يعتمد على سكان الموصل».وتعلق الصحيفة ان كلام الجنرال عطا يذكر بالتجربة الناجحة التي قام بها الأمريكيون مع الصحوات لمواجهة تنظيم القاعدة في مناطق الانبار السنية. وستكون مهمة إقناع أهل الموصل صعبة لانهم عانوا كما قالوا من ظلم رئيس الوزراء العراقي المتنحي نوري المالكي من انتهاكات وخطف لأبنائهم الشباب من أجل الفدية على يد القوات التابعة للحكومة. ولكنهم يعانون من داعش على ما يبدو، فقد نقلت الصحيفة عن مواطن قوله «الحياة أصبحت صعبة بالنسبة للسنة»، «وكان الجيش يعامل السكان بطريقة سيئة».واعترف الجنرال عطا في تقييمه لانهيار الجيش العراقي بداية الصيف بانه نابع من انهيار في معنويات الجنود. وقال ان الجنود الذي هربوا تمت إعادتهم، ولكنه حث السياسيين للعمل أكثر على علاج الصدع الطائفي والذي استغلته الجماعات السنية خاصة داعش الذي يتقدم في مناطق الانبار منذ بداية العام الحالي.

بلطجية

ورغم دعم السكان في الموصل للمقاتلين إلا ان تصرفاتهم الأخيرة ومعاملتهم للمسيحيين والإيزيديين جعلت البعض يغير رأيه «اعتقد بعض الناس ان المقاتلين اناس طيبون ولكنهم اكتشفوا انهم قتلة وبلطجية» و «أصبحت حياة الناس بائسة مرة أخرى وان لم نحصل على دعم من الأمريكيين فسيظلون هنا لأعوام قادمة ولا أحد يمكنه الدفاع عنا». وذكر ان تدمير داعش بعض المقامات الشيعية وقبر النبي يونس كان نقطة تحول في مواقف الناس منه.
وأضاف ان معظم الناس لم يستطيعوا الخروج من المدينة بسبب إغلاق القوات الكردية «البيشمركة» للطرق المؤدية للموصل. وقال الجنرال عطا ان العراق بحاجة لدعم «العالم كله» لاستعادة ما أخذه المقاتلون «فنحن بحاجة للدعم الأمني واللوجيستي وحتى الدعم العسكري وصور فضائية، ذخيرة وسلاح».
وأعلنت دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران عن تقديم الدعم العسكري للقوات الكردية ولكن الجنرال عطا شدد ان العراق ليس بحاجة لجنود أجانب لمساعدته. ويقوم الجيش الأمريكي منذ 8 آب / أغسطس بغارات جوية أدت حتى الان لاستعادة سد الموصل وهو من أكبر المصادر المائية وتوليد الطاقة الكهربائية في العراق فيما استعادت قوات «البيشمركة» بعض القرى من يد داعش، كل هذا بسبب الغطاء الجوي الأمريكي. وصادق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على خطة لتوسيع الحملة كي تشمل مواقع داعش في سوريا. وتقوم طائرات الاستطلاع الأمريكية بطلعات مستمرة في الأجواء السورية.

العدو من الداخل

ورغم تقدم القوات الكردية إلا ان تراجع المقاتلين السريع قبل التدخل الأمريكي كشف عن ضعفهم وهم الذين استفادوا من فترة 20 عاما من الهدوء النسبي التي عاشتها منطقتهم منذ فرض بريطانيا والولايات المتحدة مناطق الحظر الجوي بعد حرب الخليج الأولى. ولكنهم مع ذلك يظلون يعانون من مشكلتين الأولى تتعلق بإمكانية اختراق داعش لقواتهم والثانية خلافاتهم الجهوية والحزبية. ففي الأولى ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز»ان التفجيرات التي شهدتها اربيل، عاصمة كردستان والتي أعلن داعش مسؤوليته عنها كشفت عن قدرة تنظيم الدولة الإسلامية الذي وان لم يكن قادرا على السيطرة على مناطق فلديه القدرة على زعزعة الاستقرار.ويتساءل المسؤولون في الإقليم والسكان على حد سواء عمن يساعد داعش من داخل المنطقة، وعلى ما يبدو فالعرب الذين هربوا خوفا من داعش أصبحوا محلا للتهمة. ويقول تاجر سلاح في اربيل «لو كانت السلطة بيدي لمنعت أي عربي من دخول المدينة»، «لا يمكننا الثقة بهم، فمنهم الأخيار والأشرار ولكن كيف نفرق بينهم». وتقول الصحيفة ان الإكراد رحبوا في البداية بالعرب الذين هربوا من هجوم داعش وهجمات الحكومة العراقية التي تبعت ذلك ولم تفرق بين ما هو مدني وهدف عسكري، ولكن المشاعر الشعبية تغيرت سلبا بعدما بدأ داعش يهدد المناطق الكردية.
وبسبب هذا لا يسمح للعرب بدخول سوق السلاح الذي يمتد على مساحة واسعة على أطراف اربيل حيث يقوم الزوار بفحص كل أنواع الأسلحة من الرشاشات من نوع أم -16 والكلاشنيكوفات وغيرها «لا يسمح للعرب بدخول السوق، فقط الأكراد» يقول بائع. وبحسب أقوال تجار السلاح في السوق فقد زاد الطلب على السلاح منذ تقدم داعش واقترابه من المناطق الكردية. ويقول مواطن كردي اسمه سيروارد حسن «عندما بدأ داعش الهجوم أول مرة اشتريت كلاشنيكوف، ولكن بعد أول تفجير بحثت عن سلاح ثقيل، ولهذا أبحث عن بندقية قناصة».ويشك السكان الأكراد في القرى الواقعة على خط النار الذي يبعد عن اربيل 40 كيلو مترا ان السكان في القرى العربية القريبة يقومون بمساعدة داعش. وتقول الصحيفة ليس فقط العرب هم من يتعاطفون مع داعش فهناك متشددون بين الأكراد العراقيين، فقد كانت المناطق بين الحدود العراقية الإيرانية مركزا للجماعات الجهادية في التسعينات من القرن الماضي، وقامت القوات الأمريكية بسحقها مع بداية الغزو للعراق عام 2003. فقد شهدت مدينة حلبجة الحدودية عشر جنازات لأكراد قتلوا وهم يقاتلون مع جماعات متشددة بما فيها داعش في سوريا. ويعتقد ان هناك عشرات من الأكراد ممن لا يزالون يقاتلون في صفوف داعش. ويقول سكان محليون زاروا حلبجة في فترة سابقة ان علم داعش رفع في بعض المناطق.
ونقلت الصحيفة عن أحدهم «يظل المتعاطفون مع داعش من بين الأكراد أقلية ولكنها أقلية خطيرة». ولن يكون بإمكان داعش بناء قاعدة شعبية له داخل المدن الكردية وشن هجوم عسكري ولكنه قد يستخدم بعض الشبان الأكراد للقيام بعمليات انتحارية»، وأضاف ان مشاكل الإقليم تظل مع العرب. فهناك مليون لاجئ سوري فروا من الحرب الأهلية باتجاه المناطق الكردية، وفي آب / أغسطس فر 300.000 لاجئ من المناطق العراقية معظمهم من العرب السنة. ونقلت عن لاجئ عراقي عجوز قوله ان الأكراد كانوا طيبين معه ومع بقية اللاجئين لم يلم الأكراد على قلقهم «لديك مخيم مليء باللاجئين الذين لا تعرف من هم، وانا متأكد من بعضهم متعاطف مع داعش». ويقول محللون ان مخيمات اللاجئين من الصعب السيطرة عليها ولهذا يسهل على المتشددين اختراقها.

بين جلال ومسعود

وبالإضافة لخطر داعش ومن يتعاطف معه أشار مارتن شولوف وفاضل هراماوي في تقرير لهما من اربيل نشرته صحيفة «الغارديان» عن الخلافات في داخل قوات البيشمركة نفسها بين جنود جلال طالباني ومسعود البارزاني. ونقل التقرير عن قائد سابق ان الخلافات الحزبية التي تقسم المجتمع الكردي بين أتباع جلال ومسعود البارزاني واضحة في المؤسسة المهمة وهي البيشمركة. وقال احمد سليم ان البيشمركة ليست جيشا وطنيا ولكنها نقوم على قوات من الحزبين، حزب الاتحاد الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اللذين لم يوحدا قواتهما معا، وكل الوحدات القتالية واقعة تحت قيادة من الحزبين». ويقول سليم ان التفاوت بين الجنود من ناحية الراتب والأوضاع المعيشية أثرت على قدرات المقاتلين. ويضيف «أعتقد ان سبب هزيمة البيشمركة ( في بداية آب / أغسطس) لم تكن بسبب عدم توفر السلاح ولكن لتدني المعنويات وعدم وجود الداعي للقتال من أجل قضية، جرحت عام 1981، 1983، 1984 و 1987 لانني كنت أؤمن بالكفاح». ويقول «قاتلنا الانظمة المختلفة لأننا آمنا بالكفاح ولكن اليوم يتلقى جندي البيشمركة 500.000 دينار في الشهر فكيف تتوقع من جندي يتلقى هذا المبلغ مواجهة داعش؟». ويقارن بين قتال صدام حسين في الماضي وداعش اليوم ويرى ان الأخير متعطش للدم والقتل ولا حد يمنعه عن ارتكاب المجازر.وبسبب التحولات الأقتصادية والأزدهار فقد اضطر جنود البيشمركة للبحث عن وظيفة ثانية لدعم راتبهم الحكومي، وينقل عن ضابط استخبارات قدم نفسه باسم صبرت «انا متزوج منذ 13 عاما ولا زلت أعيش في بيت مستأجر، وأدفع أجرا 500.000 دينار ولولا سيارة الأجرة التي أعمل عليها لما استطعت مواجهة تكاليف الحياة». ويقول «لا يحرج وزارة البيشمركة ان يقوم ضابط مثلي بسياقة سيارة أو يقوم آخرون بسياقة سيارة أجرة، أو يقوم مقاتلو البيشمركة بالعمل كحرس أمام بنايات أو محلات تجارية».ويقول بيشمركة آخر «علينا واجب الدفاع عن بلدنا ولكن بعد الانتهاء من كل هذا لا بد من تغييرات». ويوافق المسؤولون الأكراد على أهمية إحداث تغييرات تبدأ بإجراء مصالحة بين الحزبين المتنافسين. فقد حدث فراغ نظرا لعدم وجود نظام عسكري يجمع المقاتلين من مختلف الجماعات المقاتلة». وهناك حاجة لتوحيد الفصائل الكردية وإلا لحلت الفوضى. ويقول سليم ان العراق لن يعود كما كان وهناك حاجة لقادة أكفاء أصحاب رؤية يستطيعون توحيده من جديد. هذا الحديث يقود البعض للتكهن حول سياسة باراك آوباما الإكتفاء بالغارات الجوية.

فجوة بين الكلام والفعل

ففي مقال كتبه جيمي ديتمر نشره موقع «دايلي بيست» وقال فيه ان أوباما يواجه معضلة في سوريا والعراق وهي «لا قوة على الأرض تستطيع هزيمة داعش». ودعا الكاتب واشنطن إلى التفكير مرة أخرى حول استراتيجيتها القائمة على دعم الأكراد جويا لهزيمة داعش. وقال الكاتب ان العملية العسكرية «المحدودة» في العراق تظل أقل من الخطاب الحامي الصادر عن أوباما وأركان إدارته خاصة منذ الإعلان عن مقتل الصحافي جيمس فولي. ولاحظ الكاتب التردد نفسه الذي أظهره الرئيس عندما أراد معاقبة الرئيس السوري على استخدامه السلاح الكيميائي، أي التردد في وضع قوات عسكرية برية وبسبب الثقة العمياء في القدرات التكنولوجية الأمريكية التي ستصنع العجائب.وأشار للفجوة بين الكلام والفعل الذي كشف عنه المحلل جوناثان شانزر، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «الغارات ستؤدي لإضعاف داعش لكنها لا تكفي حاليا» ودعا لزيادة الطلعات الجوية كي يتم تحقيق أهداف العملية المحدودة وهي تحييد وردع الجهاديين.ويشير الكاتب للتباين بين ما حققته الغارات الأمريكية حتى الان: استعادة سد الموصل، وقف تقدم داعش نحو اربيل وتدمير عربات همفي غنمها تنظيم داعش مقارنة مع التقدم الإستراتيجي للجهاديين في الرقة ومواصلة عملياتهم في شمال سوريا بشكل يهدد الطرق المؤدية لتركيا. وحتى في العراق لم تؤثر خسارة سد الموصل على داعش وحلفائه بل استمروا بتقدمهم نحو بلدة آمرلي.
ولا يزال داعش يواصل تقدما ويتصدى لمحاولات الأكراد استعادة مدن وبلدات. ونقل الموقع عن مراقبين أوروبيين قولهم ان البيشمركة قد لا يكون لديها القوة والدافعية لدفع داعش وحلفائه السنة بعيدا عن المناطق التي احتلوها. ويقول مراقب عسكري بريطاني «يحاول مقاتلو البيشمركة جهدهم لكنهم لم يعودوا كما كانوا قوة عسكرية يحسب لها».ورغم اعتراف أوباما بان القضاء على «سرطان» داعش يأخذ وقتا إلا ان محللين مثل بريان فيش يرون ان تنظيم الدولة الإسلامية تحول «لجيش إرهابي» ولا يمكن هزيمته إلا بجيش وحرب واسعة في سوريا والعراق. ويقول «يحتاج الأمر لسنوات من أجل عمليات عسكرية في كل من سوريا والعراق وعشرات الملايين من الدولارات وأكثر من 15.000 جندي».

إبراهيم درويش

«تنظيم الدولة»
Comments (0)
Add Comment