مع بداية العام الجديد، دخلت بلدة مضايا في ريف دمشق الشهر السادس من حصارها الخانق. وكان حصار البلدة التي يعيش فيها نحو 42 ألف نسمة قد بدأ في 1.7.2015، بعد نحو عام ونصف العام من فرض الحصار جزئياً عليها.
ونظراً لطبيعة البلدة الجغرافية، فقد فُرض الحصار بشكل رئيسي من خلال زرع الألغام المضادة للأفراد في المناطق السهلية المحيطة بالبلدة، فيما سيطر مقاتلو حزب الله على المرتفعات الجبلية المطلة عليها من الغرب.
وقد ازداد تأثير الحصار على أبنائها في الشهر الأخير بسبب عوامل عدّة، أهمها أن البلدة تقع جغرافياً في محيطٍ يسيطر عليه النظام، ما عدا مدينة الزبداني المحاصرة أيضاً، والمفصولة بحزام من الألغام عن مضايا. وهكذا بات التسلل من البلدة وإليها شبه مستحيل. كما أن طول فترة الحصار الخانق تسببت بعدما تجاوزت أكثر من ستة أشهر، بنفاد مخزون الغذاء الموجود لدى العائلات. وساهم الصقيع الذي يضرب البلدة منذ بداية الشهر الماضي إلى إتلاف المزروعات والنباتات التي كان يمكن الاستفادة منها.
منذ بداية الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى خروج مناطق عن سيطرته، عمد النظام السوري إلى فرض الحصار على بعض المدن والبلدات. والعقاب بالحصار هو ربما واحد من أكثر الأسلحة خطورة في أثرها الاستراتيجي على المجتمع.
هذا التقرير يشرح كيف تتهيأ المجتمعات المحاصرة للهدنة، وكيف تُعقد الهدن، وكيف يؤثر كل ما يحصل، ومدته لا تقل عن سنة، على تركيبة المجتمع المحلي ويحوّله إلى مجتمع يفرض على نفسه رقابة ذاتية صارمة. أما المعلومات الواردة فيه فهي مستقاة من متابعة يومية لواقع المناطق المحاصرة ومن حوارات مع أشخاص فاعلين في حي الوعر في حمص والمعضمية ومضايا في ريف دمشق.
واعتمد النظام السوري أساليب مختلفة للتعامل مع أبناء المدن السورية الخارجة عن سيطرته. ففي الوقت الذي تُمطر السماءُ براميلَ متفجرة على مدينة، لا تكاد المدينة التي بجانبها تتعرّض للقصف. وفي الوقت الذي يموت فيه السكان في حي أو بلدة نتيجة للحصار الخانق، تنتعش الأسواق في بلدة مجاورة لها، رغم أن كلتيهما تحت سيطرة المعارضة المسلحة. وقد تتعرّض المدينة الواحدة للقصف بشكل مكثّف بضعة أشهر، ثم يتوقف دون مبرر واضح للمراقب العادي.