سيدي أحمد ورحلة طويلة من نواكشوط إلى مكة بسيارة طراز 1982

سيدي أحمد ولد أحمد رحالة موريتاني يبلغ من العمر 54 عاماً، شد الرحال عبر الفيافي والصحاري والمحيطات والجبال من مدينة نواكشوط الموريتانية قاصداً حج بيت الله الحرام بسيارة صالون مرسيدس طراز 1982 وهذا السفر كما يقول ولد أحمد أراد من خلاله أن يقتدي بأسلافه الموريتانيين الذين كانوا يحجون على ظهور الجمال في الماضي، وهو اليوم يعيش هذه التجربة ولكن بسيارة قديمة كان لها حظ من الترحال مع مالك آخر قبله، وهو انجليزي كان يجوب بها العواصم الإفريقية، ليشتريها ولد أحمد ويحج بها إلى مكة، وقد قطع الى الآن 17519 كم في رحلته هذه.
سيدي ولد أحمد زار عمان لأول مرة عام 1986 ضمن وفد موريتاني مكون من ستة أشخاص وكان عمره آنذاك 23 عاماً ، للمشاركة في المخيم الكشفي السابع عشر الذي أقيم بمنطقة سهل أشور بمحافظة ظفار وقد أقيم تحت شعار (لقاء/‏ أخوة/‏ عمل).
كانت له ذكريات جميلة في ظفار وهو ما دفعه لزيارتها مرة اخرى ويتذكر سيدي ولد احمد الزيارة المفاجئة لصاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- للمخيم آنذاك وكيف أكرم جلالته الوفد الموريتاني.
خلال هذا الحوار سوف نتعرف على رحلة سيدي أحمد ولد أحمد والحديث عن أول زيارة للسلطنة منذ 30 عاماً وزيارته الحالية.
ما هو الدافع للقيام بهذه الرحلة؟
** ما دفعني للقيام بهذه الرحلة الطويلة هو الاقتداء بأسلافنا الموريتانيين الذين كانوا يحجون بيت الله الحرام بالسفر الطويل والذي كان يمتد لسنة ذهاباً وسنة عودة عبر الجمال قديماً، واليوم أنا في هذا العصر أردت أن أكرر التجربة عبر سيارة قديمة عمرها أكثر 30 عاماً.

متى بدأت رحلتك؟
** بدأت رحلتي من نواكشوط العاصمة الموريتانية في 28 أغسطس 2015م.

وكيف استطعت عبور حدود كل تلك الدول في رحلتك؟
** بما أنني أحمل الجنسية الأسبانية كوني كنت متزوجا بامرأة أسبانية ولدي منها أبناء فلم أواجه صعوبة في الدخول عبر الحدود وهذا ما سهل علي رحلتي في العبور عبر تلك الحدود حيث إن تأشيرة الدخول تستطيع الحصول عليها من المنافذ الحدودية.

حدثنا عن رحلتك وأول محطة وصلت إليها بعد مغادرتك موريتانيا؟
** انتقلت من موريتانيا إلى المغرب ومنها إلى فرنسا عبر الباخرة ومن فرنسا استخدمت سيارتي متوجها إلى ايطاليا ومن هناك سافرت إلى اليونان في باخرة و كذلك من اليونان إلى تركيا عبر باخرة وعبرت تركيا إلى الحدود الايرانية ومن هناك بدأت المشكلة التي بسببها فاتني موسم الحج العام الماضي.

ما هي هذه المشكلة التي صادفتها على الحدود الإيرانية- التركية؟
** حينما وصلت إلى الحدود الايرانية تم توقيفي وعدم السماح لي بالدخول لإيران بسبب عدم حصولي على (trip ticket) وتعني تذكرة مرور (دفتر مرور دولي) وهذا نظام مطبق دوليا حسب اتفاقيات جمركية عالمية وباستطاعة المرء السفر بسيارته من دولة إلى أخرى من دون دفع رسوم إضافية. ويهدف هذا النظام إلى حماية التجارة بين البلدان وخاصة في تجارة السيارات بحيث لا يتم بيعها في البلد الذي يدخل إليه المسافر. وبما أن موريتانيا ليست مشتركة في هذا النظام الدولي فلم استطع الحصول عليه، وهذا جعلني أمكث هناك مدة شهر إلى أن دخلت الحدود الإيرانية.

وكيف استطعت العبور إلى إيران برغم عدم حملك لهذه الوثيقة الدولية؟
** بعد محاولات عديدة نصحني احد الإيرانيين بالذهاب إلى الحدود الايرانية الارمينية و من هناك الدخول اسهل وهذا ما دفعني للعودة لتركيا والدخول عبرها إلى جورجيا ومن جورجيا إلى أرمينيا ومن ثم التوجه إلى الحدود الأرمينية الايرانية، وكانت رحلة شاقة وطويلة حيث كانت الطرق تمر عبر جبال شاهقة ومرتفعة حيث ان أحياناً سرعة السيارة لا تتعدى 20 كم في الساعة وبدل أن تكون رحلتي عبر الحدود التركية الايرانية 350 كم اصبحت اكثر من 900 كم وبعد وصولي إيران توجهت إلى ميناء بندر عباس ومنها شحنت سيارتي في باخرة إلى دولة الامارات العربية المتحدة.

ماذا فعلت بعد وصولك لدولة الإمارات العربية المتحدة؟
** مكثت في الامارات ما يقارب ثلاثة أشهر وقد حضرت مهرجان الرحالة الدولي في امارة دبي ومن ثم توجهت إلى قطر ومكثت فيها شهر وعدت إلى الامارات بعدها للعبور عبرها إلى السلطنة .

حدثنا عن رحلتك للسلطنة وكيف رأيتها بعد ثلاثين عاماً من أول زيارة لك للسلطنة؟
** السلطنة لها محبة خاصة في وجداني وخاصة للشعب العماني ولشخص صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- وقد نذرت نفسي أن أكرم أي مواطن عماني ألقاه في أي مكان، وقد أذهلني التطور الهائل الذي شاهدته بعد ثلاثين عاماً من زيارتي الاولى.ما هو سر حبك للسلطنة وقائدها وشعبها؟ ولماذا أخذت على عاتقك هذا النذر؟
** خلال زيارتي الأولى كانت ظفار تعيش أجواء الخريف الرائعة وكانت السهول والجبال يكسوها اللون الأخضر وقد لمست حسن التعامل و الخصال الحميدة التي يتمتع بها الشعب العماني واستقبالهم للعرب بحفاوة وحسن الضيافة بالإضافة إلى التجانس والتشابه الكبير بيننا في العادات والتقاليد وحتى الملامح في الأشكال متقاربة جداً، وقد دهشت من التشابه الكبير بين زي المرأة في ظفار والمرأة الموريتانية وطرق إعداد الطعام وتشابه في كثير من المفردات اللغوية التي نستخدمها وكذلك امتلاكهم للابل العربية الأصيلة كما الحال في موريتانيا.
وقد التقيت بأحد المواطنين العمانيين في إمارة دبي مصادفةً وهو يحاول شراء إحدى اللوحات من احد التجار السنغاليين وبما أنني أجيد التحدث باللغة السنغالية بالإضافة إلى الفرنسية والإسبانية بطلاقة استطعت ان أتوسط بينهم وقد استطعت أن اشتري اللوحة بسعر مناسب وتقديمها هدية للأخ العماني والذي أصر على استضافتي في قريته الزاهب بولاية المضيبي عند زيارتي للسلطنة حيث أقمت عند أسرة محمد بن سالم الطوقي ولقيت الترحاب وكرم الضيافة منهم ومن ثم واصلت السير قاصداً ظفار لأراها بعد طول غياب وللسؤال عن أول شخص دخلت بيته في السلطنة والذي لم اعد أذكر له اسم أو عنوان غير أني كنت أتذكر مكان عمله وكان وقتها رقيباً في الشرطة. وفي طريقي إلى ظفار استضافتني أسرة علي بن مسلم قهور المهري في نيابة ربكوت حيث استمتعت كثيراً بقضاء أمسية رائعة في الصحراء في جو رائع وشرب حليب النوق مع اجواء الصحراء الجميلة.
حدثنا عن الزيارة المفاجئة لصاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- آنذاك للمخيم الكشفي ولقائه بالوفد الموريتاني.
** كان الوقت بعد العصر وقد أتت زيارته بدون سابق موعد أو أي بروتوكول رسمي وكان يرافقه صاحب السمو الراحل السيد ثويني بن شهاب، وقد صادف جلالته بعض أعضاء من الوفد الموريتاني المشارك وللأسف لم أكن موجوداً بينهم، ولكنهم أخبروني عن التواضع الكبير الذي يتصف به صاحب الجلالة وكيف كان يسألهم باهتمام عن مشاعرهم وأحوالهم ويصفون سرعة البديهة لدى جلالته وسرعة حفظه للأسماء.

أين أقمت في صلالة؟
كنت قد التقيت بأحد الشباب العمانيين في محطة (غابة) على الطريق إلى صلالة وقد أصر على أن تكون اقامتي مدة بقائي في صلالة في ضيافتهم بمنطقة عوقد، حيث استضافتني أسرة أحمد بن محمد عاطف اليافعي ومن هناك بدأت أبحث عن الصديق العماني الذي استضافني في بيته سنة 1986م.

كيف التقيت به وأنت لا تعرف عنوانه أو اسمه؟
ذهبت لمكان العمل الذي كان يعمل به ووصفته لهم، ومن خلال وصفي لطبيعة عمله آنذاك ومشاركته في المخيم حصروا الأوصاف في شخص رائد متقاعد اسمه جمعان فرج الله، وحينما اتصلوا به سألوه إن كان يتذكر أنه استضاف موريتانيين في بيته سنة 1986م فكان جوابه نعم، وقد استغرب السؤال، فأخبروه أن هنا شخص موريتاني يسال عنك ويريد الحديث معك ولقاءك، وقد أجهشت بالبكاء حينما سمعت صوته ولم استطع اتمام المكالمة معه، وهكذا شاءت الأقدار أن نلتقي مرة أخرى بعد ثلاثين عاماً.

هل ستوثق هذه الرحلة في كتاب بعد عودتك إلى نواكشوط بإذن الله؟
أنوي بإذن الله أن اوثق هذه الرحلة في كتاب أصف فيه رحلتي حيث إني أوثق يومياتي في هذه الرحلة وما شاهدته، كما أنني سأقوم بعمل متحف صغير أجمع فيه المقتنيات التي جمعتها خلال هذه الرحلة.كلمة أخيرة في نهاية حوارنا معك؟
أشكر العمانيين على حسن الضيافة والاستقبال وأسأل الله أن يمد في عمر صاحب الجلالة وأن يبقيه ذخراَ لهذا الشعب الكريم وأشكر كل من استضافني في بيته وأكرمني خلال زيارتي هذه إلى السلطنة ومنهم الشيخ سعيد السعدون ومدير عام التراث والثقافة بصلالة أحمد الحجري.
المصدر:عمان ديلي

مكة بسيارة طراز 1982ورحلة طويلة من نواكشوط
Comments (0)
Add Comment