اليهود لن ينتخبوا ترامب/مرح البقاعي*

إثر تصريحه بأنْ “لا مشكلة لديه في اللّقاء مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون إذا كان هكذا لقاء سيُسهم في الحدّ من الانتشار النووي”، وهو لقاء لو حَدَث فعلاً يمكن أن يشكّل منعطفاً غير مسبوق في السياسة الخارجية للولايات المتّحدة الأميركية، قام دونالد ترامب، المرشَّح الرئاسي المحتمَل عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية القادمة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، قام بلقاء هنري كسينجر، وزير الخارجية الأسبق و”ثعلب السياسة” كما تلقّبه النُّخب الفكرية، في بيت الأخير في مدينة نيويورك، وبعيداً عن الإعلام والأضواء.

أمّا الهدف من لقاء كسينجر، كما رتّب له المستشارون السياسيّون لحملة ترامب الانتخابية، فهو تعزيز موقع ترامب من السياسة الخارجية الأميركية، ونيل الدعم من واحد من أهمّ الشخصيات التي أسهمت في بناء الاستراتيجيّات الخارجية الكبرى للولايات المتّحدة في علاقتها مع دول العالم، ولاسيّما دول الشرق الأوسط. إلّا أنّ هذا اللّقاء، الذي دام ساعة في منزل كسينجر، لم يسهم بصورة ناجعة في تدوير الزوايا الحادّة من الإطار السياسي الذي يحيط بصورة المرشّح الأكثر جدلية في التاريخ الأميركي، بل استمرّ في التصريحات الناريّة، وقال، في إحدى لقاءات حمْلتِه في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية وبموضوعٍ حسّاسٍ كحلف ناتو الذي تنتمي إليه الولايات المتّحدة، إنّه “يتعيّن على الولايات المتّحدة بعد اليوم عدم التسامح مع الفشل المتواصل لأداء الحلف الأطلسي”، كما دعا، في السياق نفسه، “الدول التي تستفيد من خدمات الحماية ودعم الأمن التي تقدّمها أميركا لها أن تدفع ثمن هذه الخدمة أو أن تقوم بنفسها بحماية أمن واستقرار أراضيها”.

ليست تلك التصريحات بالمستغربة من ترامب، فقد بدأ الأميركيّون والعالم بأسره الذي يتابع مشاهد الحرب المستعرة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، بدأوا يألفون الخروج المتكرّر للأخير عن سياق العرف السياسي العام الأميركي بما فيه خطوط السياسة الخارجية العامّة التي تُعتبَر نهجاً مُعتمداً لعقود من الاستراتيجيات رُسمت بدقّة لأميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعادةً لا يخرج عن سياقها العام أيّ ‏رئيس يدخل البيت الأبيض، لكن يمكن له أن يضيف اجتهاده الخاصّ في تفسير السياسات العامّة وتطبيقها.

هذا وقد وجّهت هيلاري كلينتون انتقاداً شديداً لمنافسها الجمهوري ترامب خلال الخطاب الذي تحدّثت فيه عن برنامج سياستها الخارجية في حال أصبحت رئيسة أميركا القادمة، حيث قالت: “إنّ انتخاب ترامب للرئاسة سيكون خطأ تاريخياً” ونصحته بمراجعة طبيب ‏نفسي!

فما هي الإحداثيّات والدعائم الرئيسة للسياسة الخارجية لترامب (إن وُجدت)، وهل يمكن أن تُنافس التجربة المديدة المخضرمة في العلاقات الأميركية الدولية لمنافسته وخصمه كلينتون التي حقّقت استثناءً تاريخياً في أميركا في نجاح امرأة بقيادة حزبها الديمقراطي إلى انتخابات الرئاسة النهائية؟

ينبني برنامج السياسة الخارجية للمرشَّح ترامب، على ضرورة العودة إلى أميركا القويّة بواسطة إعادة جيشها إلى التفوّق العسكري على جيوش العالم بالعديد والتدريب والسلاح. فالمفتاح الذهبي لعقيدة ترامب وآليّتها لتنفيذ سياسات أميركا الخارجية هو كلمة واحدة: القوّة ثمّ القوّة ثمّ القوّة. وفي خطابه الذي وجّهه للناخب الأميركي عن برنامجه السياسي الخارجي، انتقد الطريقة التي تُدار بها المؤسّسة العسكرية التي أدّت إلى تراجع منسوب الاستعداد العسكري الأميركي بشكل ملحوظ، وقال ساخراً: “جيشنا يضمحّل بينما نطالب الجنرالات والقيادات العسكرية بالاهتمام بقضايا الانحباس الحراري!” وأضاف: “الاستثمار في إعادة بناء الجيش وتأمينه بأحدث المعدّات التي عرفتها البشرية ستكون مهمّتي حال وصولي للرئاسة؛ فقوّة الجيش الأميركي ومِنعته هي قضية وطنية فوق النقاش أو الجدل”. وعقّب ترامب مُطمْئِناً العالم الذي يخشى من تصاعد لهجة العسْكرة واللّجوء إلى القوّة التي يستعملها بقوله: ” العدوان ليس من طبعي، والحذر وضبط النفس هي مؤشّرات القوّة الحقيقية والثابتة، وعلى العالم أن يعرف أنّنا لا نتوجّه إلى الخارج بحثاً عن أعداء، بل ما يُشعِرنا بالسعادة وبالمزيد من القوّة هو تحوّل الأعداء القدامى إلى أصدقاء والأصدقاء إلى حلفاء”. أمّا في ما يتعلّق بسباق التسلّح النووي في العالم، فصرّح تصريحاً لافتاً في الخطاب نفسه عن سياسته الخارجية بأنّه مستعدّ لدعم اليابان وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية في بناء قوّتها النووية بينما يرى أنّه “من الضروري ضرب القوّة النووية العسكرية لكوريا الشمالية” وكذا تَعهَّد “بإلغاء الاتّفاق النووي الكارثي مع إيران في أوّل يوم يصل فيه إلى البيت الأبيض”.

ومن أكثر المواقف اللّافتة لدونالد ترامب تصريحاته الحادّة الموجّهة إلى دولة اسرائيل، وموقفه من يهود أميركا، ما وضعه بالنسبة إلى اليمين الأصولي الإسرائيلي في الصدر من قائمة أعداء الشعب اليهودي من مناهضي الساميّة. فترامب يرفض الاعتراف بوحدة القدس بجناحيها الشرقي والغربي، ويدعم محادثات السلام التي ستؤدّي إلى قيام دولتَيْن هما إسرائيل وفلسطين. ولم يتوانَ عن مخاطبة أعتى اليهود الأميركيّين في عقر دارهم السياسي وهي منظّمة “التحالف اليهودي الجمهوري” ويتّهمهم بالمسؤولية المباشرة إذا ما حدث وخسر الانتخابات الرئاسية قائلاً لهم: “أنا لا أحتاج لأموالكم، ولهذا السبب أعرف أنّكم ستمتنعون عن التصويت لي”. ويدرك اليهود الأميركيون تماماً أنّه في حال وصول ترامب إلى رأس السلطة التنفيذية في واشنطن، فإنّه سَيستبعِد من فريقه الجمهوري في الحكم الصقور والمحافظين الجدد الأكثر تأييداً لإسرائيل، والذين يرفضون حتّى اللّحظات الأخيرة ترشيحه عن الحزب لخوض المعركة الانتخابية الرئاسية ضدّ منافسته الديمقراطية.

*شاعرة وكاتبة أميركيّة من أصل سوري

الخبر ـ افق

اليهود لن ينتخبوا ترامب/مرح البقاعي*
Comments (0)
Add Comment