أثبت الرئيس رجب طيب أردوغان، أن السنوات الـ13 التي أمضاها في حكم تركيا، أكسبته خبرة سياسية صبغت ذكاءه الفطري في التعامل مع الناس، فخرج منتصراً من أول معركة سياسية مع المعارضة، بعد الانتخابات النيابية التي أفقدته الغالبية العددية في البرلمان.
فالمعارضة التي تكاتفت ضد أردوغان في الانتخابات، سرعان ما انفضّ حزباها الأساسيان: «الشعب الجمهوري» و «الحركة القومية»، إلى مصالحهما الحزبية الضيّقة، على حساب «معركتهما الأهم»، وهي تقييد صلاحيات الرئيس، وانتخاب رئيس للبرلمان من خارج حزبه، يشكّل حجر عثرة في طريق أحلامه لحكمٍ مطلق.
وعرف أردوغان كيف يلعب على الوتر الحساس لدى كل حزب في المعارضة، مشعلاً خلافاً بينها، فكانت دعوته المفاجئة، بعد يومين على الانتخابات، لدنيز بايكال، الرئيس السابق لـ «حزب الشعب الجمهوري»، الى لقاء على انفراد، معطياً انطباعاً بأنه سمع رسالة الشارع وفهمها، وأنه ما عاد يفكّر بالتفرّد بالحكم وقبِل الشراكة مع المعارضة.
وحمّل أردوغان بايكال آمالاً زائفة بدعمه في انتخابات رئاسة البرلمان، فسارع الأخير الى الترشّح عن حزبه، وتمسّك بترشّحه للمنصب حتى آخر لحظة،و إعلان النتيجة بفوز منافسه عصمت يلماز، من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم.
تمسُّك بايكال – المعروف بشهوة الحكم والسلطة وتطرّفه العلماني – بالترشح لرئاسة البرلمان، أضاع على حزبه ترشيح إسم أكثر اعتدالاً وقبولاً، يحظى بدعم بقية الأحزاب، كما أضاع فرصة على المعارضة لدعم مرشّح القوميين أكمل الدين إحسان أوغلو، الذي بدا الأكثر قرباً من قلوب الجميع، بسبب حداثة عهده بالسياسة الداخلية ومكانته الدولية، كونه أميناً عاماً سابقاً لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وبذلك، أضاعت المعارضة فرصة ثمينة لتحقيق هزيمة جديدة بأردوغان وحزبه، وبدت أكثر ضعفاً سياسياً،رغم غالبيتها العددية. واستعاد «العدالة والتنمية» أملاً بإمكان تحقيق المزيد، كما عزّز الرئيس التركي هيمنته على الحزب الحاكم، بعدما منحته خطته نصراً سهلاً ومهماً، ضيّق الخناق على أي سيناريو أو طموح لتفرّد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بالرأي في مسألة تشكيل حكومة ائتلافية أشار أردوغان إلى أنه سيقبل بها، لكنه لن يستعجل تشكيلها، لكي ينفرد وحكومته الحالية باجتماع مجلس الشورى العسكري مطلع آب أغسطس المقبل، ويعيّن قادة جدداً في الجيش أكثر ولاءً .
بعد ذلك الاجتماع، قد يعصف أردوغان مجدداً بأحلام المعارضة المتلهفة الى تشكيل حكومة شراكة، ويضغط للاحتكام إلى انتخابات مبكرة، بحجة الوضع في سورية، وهو يستفيد أثناء ذلك، من تخبّط المعارضة وسجالاتها، ومن عودة القتال مع «حزب العمال الكردستاني»، وهذان أمران سيجعلان الناخب يعزف عن التصويت للأكراد أو القوميين، ليصبّ ذلك في مصلحة «العدالة والتنمية»، ولو بنسبة ضئيلة لكنها قد تكون كافية لتشكيل حكومة ذات غالبية بسيطة، تعيد الأمور إلى نصابها في البرلمان، كما يرى أردوغان.