وكالة أنباء موريتانية مستقلة

كيف تُدمّر شخصية طفلك ؟.. إليك هذه الخطوات

هناك حكمة صينية تقول: “إذا أردت أن تُخطط لعام ازرع أرزاً، وإذا أردت أن تخطط لقرن ازرع شجرة، وإذا أردت أن تخطط لحياة كاملة فازرع طفلاً وعلمه”.
زراعة الطفل ليست الاعتناء به من حيث المأكل والمشرب فقط، فالطفل هو استثمار لوالديه في المجتمع، ولذلك على الأبوين أن يُحسنا الاستثمار ويُخرِجا للمجتمعات بشراً سوي النفس قوي الفكر وليس الجسم فقط، وبالفعل تصدق عبارة: التعليم في الصِغَر كالنقش على الحجر.
ولكن هناك الكثير من الآباء في مجتمعاتنا يهتمون بالتفوق الجسماني أو التفوق الدراسي القاصر على الحفظ والتعبئة في الذاكرة إلى حين وضعها في ورقة الامتحان، وإلى هنا تنتهي مهمة التفوق الدراسي ولا يشغلون أنفسهم ولو قليلاً بالاهتمام بنفسية الطفل أو تنمية الذكاء الاجتماعي لدى الطفل، أو وضع الثقة في نفس طفلهم وتعريفه المفهوم الصحيح لمعنى الحرية التي لا تضر، فيكبر الطفل ويصطدم بالواقع ويتفاجأ بعدم قدرته على التواصل الجيد، وفي كثير من الأحيان يشعر بانعدام الثقة وعدم قدرته على العمل الجماعي أو إدارة حوار بنَّاء فيعمل ذلك على تدمير شخصيته التي لم يتم بناؤها بشكل جيد منذ الصغر.
نتعرض في الحياة لكثير من تلك الأنواع الإنسانية، فتجد أن هناك آباء ما زالوا يسيطرون سيطرة كاملة على ابنهم أو ابنتهم الذي أو التي تجاوزا العشرين، فحينما تقترب من هذه أو هذا ستجد أن هذه السيطرة مؤثرة عليهم تأثيراً كُلياً سلبياً فلا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء إلا عندما يُملي عليهم آخر قراره، مشتتين فكرياً بين رأي هذا أو ذاك، والأكل والملبس ليس لهم قرار أيضاً فيهما، لا يستطيعون الاشتراك في أي عمل تطوعي؛ لأن الوالد أو الوالدة لا يوافقان على ذلك بالرغم من إيمانهم بالفكرة.
أذكر أنني سمعت أماً ذات يوم توبخ طفلتها؛ لأنها اشتركت في الإذاعة المدرسية ظناً منها أنها ستعطلها عن الدراسة، وأماً تهدد ابنها أنها ستذهب إلى المُدرسة لتمنعها من إقحام طفلها في أي نشاط دراسي.
وإذا نظرنا بنظرة إلى مستقبل هذا الطفل سنجده ذلك الشاب غير القادر على التأقلم مع أي عمل جماعي، وهو ذلك غير القادر على اتخاذ أي قرار مصيري أو صغير في حياته، وهو ذلك الشخص الذي لا يستطيع أن يأمر بل يؤتمر وسيعيش ذلك الشاب أو الفتاة إما غير راضٍ عن نفسه أو متمرداً على والديه اللذين كانا سبب مشاكله واهتزاز شخصيته أمام الجميع، بسبب فرض سيطرتهم عليه، أو يحاول جاهداً أن يُغير من نفسه، وسيستغرق ذلك الكثير من الوقت حتى يبني شخصيته ويضع فيها صفات جديدة؛ ليتأقلم بها وهذا من رصيد عمره الذين كان من الأولى على الأبوين أن يُعلماه إياه.
لا شك أن هذا هو ما يظنه الوالدان بأنه الصواب، بأن يعزلا طفلهما عزلاً تاماً عن أي حدث اجتماعي أو نشاط دراسي، حتى يصنعا له مستقبلاً مرموقاً ولا يعلمان أن المجتمع الآن لا يريد المتفوق دراسياً فقط، بل يريد المتفوق اجتماعياً، مَنْ يجيد الذكاء الاجتماعي، مَنْ يستطيع أن يُروج لنفسه، فيجب عليهم أن يعطوه كامل الحرية السليمة التي تجعله يرتكب الخطأ ليتعلم منه، ويفعل الصواب ليُجازى به، فالحياة هي تجارب وخبرات يجب أن يكتسبها الطفل منذ نعومة أظافره.
درّبوا أطفالكم على كيفية التعامل مع الناس على اختلاف ثقافتهم وطبائعهم وانتماءاتهم وأفكارهم، علموهم أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولا يولد الحقد والكره في القلب، وكيف يستطيعون أن يُديروا مناقشة وحواراً بنَّاء، وأعطوا لأنفسكم فرصة لكي يناقشوكم في كل شيء، واكتشفوا قدرتهم في ذلك، وشجعوهم على المشاركة في كل شيء ممكن أن يُغير من شخصياتهم للأحسن وسيُضيف لحياتهم، علموهم كيفية تنظيم الوقت وإدارته، علموهم أن قرارهم يجب أن يكون نابعاً من الذات، ولا أحد يستطيع أن يقرر بدلاً عنهم، وكيفية تحمل المسؤولية، فالمجتمع لا يستطيع أن يتحمَّل عقبات التربية غير السليمة أكثر من ذلك، علموهم أن الدين مسكنه القلب والعقل، وليس الدين في اللبس فقط والشكل الخارجي.

تدوينة: إيمان درويش

Print Friendly, PDF & Email

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي