وكالة أنباء موريتانية مستقلة

النفط وأسواقه في العام 2015/عدنان كريمة

مع توقّعات وكالة الطاقة الدولية بنموّ خجول للطلب على النفط في العام 2015، وارتفاع إنتاج الولايات المتحدة ومخزوناتها من النفط، بنحو 1.45 مليون برميل، ومع تراكم المعروض نتيجة التنافس على الحصص، تستمرّ وتيرة انخفاض الأسعار، وقد يصل سعر البرميل وفق أسوأ سيناريو للمؤسّسة المالية الأميركية ”مورغان ستانلي“ إلى 43 دولاراً. ولكن تفاؤل مؤسّسة البترول الكويتيّة يجعلها تتوقّع أن يظلّ قرب 65 دولاراً كمعدّل وسطي في الأشهر الستّة أو السبعة المقبلة، على أن يبقى هذا التفاؤل مرهوناً بتعافي الاقتصاد العالمي وارتفاع الطلب، مستفيداً من انخفاض الأسعار، فضلاً عن تطوّرات سياسية واقتصادية قد تفرض تعديلاً في خطط الإنتاج لدى الدول المعنيّة.
اعتادت أسواق النفط على ارتفاع الأسعار في موسم الشتاء من كلّ عام، بسبب زيادة الطلب العالمي على استهلاك الوقود، ولكن هذه السنة يبدو الوضع مختلفاً مع تراكم المعروض لأسباب اقتصادية وربما سياسية.
وخلافاً لما هو متداول بأن الفائض هو نحو 1.5 مليون برميل فقط، وفي حال خفضت أوبك إنتاجها من 30 مليون برميل إلى 28.5 مليون برميل يومياً، تنتهي المشكلة وتعود الأسعار إلى الارتفاع، فإن الواقع الإحصائي الحقيقي يشير إلى أن الفائض لا يقلّ عن ثلاثة ملايين برميل، على أساس أن المعروض من النفط الخام يصل إلى 97 مليون برميل يومياً، في حين أن الطلب العالمي لا يتجاوز 94 مليوناً، ومع إضافة مخزونات النفط في ناقلات عملاقة وفي مناطق مختلفة، يصبح الفائض الحقيقي أكثر من عشرة ملايين برميل جاهزة للتصدير.
ومن هنا تبرز أهمية الموقف السعودي الذي رفض تحميل أوبك مسؤولية أزمة الأسعار، مرحّباً بقرارها في اجتماعها في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 في فيينا، بعدم تخفيض الإنتاج، وقد وصفه بأنه ”يعكس تماسك المنظّمة ووحدتها وبعد نظرها“.
وأكّدت المملكة، وهي أكبر دولة منتجة ومصدّرة، أنها لا تستهدف سعراً معيّناً للبرميل بل أن هدفها تأمين الاستقرار للسوق النفطية، وتحقيق ذلك يتطلّب تعاون البلدان المنتجة خارج أوبك، والتي تصل حصّتها الى 65 في المائة من المعروض، مقابل 35 في المائة حصّة دول أوبك، ويرى وزير البترول السعودي علي النعيمي ”أن السوق ستقوم بتوازن نفسها بنفسها“.

قدرة أوبك
يُستدل من التطوّرات المتلاحقة، أن أوبك تثبت مجدّداً قدرتها على تحديد اتجاهات الأسعار عند حدوث الأزمات الاقتصادية العاصفة. وقد سبق لها أن اضطرّت في محطّات زمنية عدّة إلى خفض الإنتاج إلى مستويات متدنّية من أجل دفع الأسعار إلى التماسك. من ذلك مثلاً، تخفيض المنظّمة إنتاجها في العام 1986 إلى 16 مليون برميل يومياً، وكذلك تخفيض إنتاجها بمقدار أربعة ملايين برميل إثر الأزمة المالية العالمية في العام 2008. بحيث انخفض السعر آنذاك من أعلى سعر بلغه (147 دولاراً) إلى ما يقارب 30 دولاراً، وأدّى هذا الخفض إلى تماسك الأسعار ثم إلى تحسّنها بعد وقت قصير. فارتفعت تدريجياً إلى أن تجاوزت115 دولاراً في صيف العام 2014 قبل انخفاضها الأخير.
وأوبك بدورها مرتاحة إلى مستقبلها في ميزان العرض والطلب خلال المَدَيين القصير (2019) والبعيد (2040). فهي تشير في ”تقرير الأمانة العامة للمنظّمة“ لعام 2014، إلى أن النفط سيستمرّ في تأدية دور أساسي ورئيسي في تلبية احتياجات العالم من الطاقة، نظراً للنموّ المتزايد للاقتصاد العالمي، فضلاً عن ازدياد عدد السكّان وارتفاع مستوى المعيشة. وتوقّعت أوبك أن تؤدّي الدول الناشئة الرئيسية في العالم الثالث، مثل الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية، دوراً مهمّاً في استهلاك الطاقة. إذ إن توسّع الأسواق الآسيوية سيجعل من الدول الناشئة تلك ركيزة لسوق النفط العالمية. وتشير معلومات أوبك كذلك إلى ارتفاع توافر إمدادات الطاقة من 256 مليون برميل من النفط المكافئ يومياً، إلى 410 ملايين برميل يومياً العام 2040، وترتفع حصّة النفط من مجمل سلّة الطاقة من 81.8 مليون برميل إلى 99.6 مليون برميل يومياً في الفترة ذاتها.
ولذلك فإن دول أوبك ماضية في تطوير استثماراتها النفطية، وهي تحتاج في المتوسّط إلى استثمار نحو 40 مليار دولار سنوياً للسنوات المتبقّية من العقد الحالي، وإلى 60 مليار دولار سنوياً على المدى البعيد، وهو مؤشّر على أهمّية مستقبل الاستثمار في القطاع النفطي.
وإذا كان ”سعر تعادل الميزانية“ هو المشكلة القائمة داخل أوبك، فإن هذا السعر يختلف بين دولة وأخرى، وذلك وفق حاجتها إلى المال لسدّ عجز ميزانيّتها في ضوء احتياطاتها المالية وقدرتها على الاستدانة، مع اعتمادها الكبير على النفط مصدراً رئيسياً للدخل، وفشل معظمها في تنويع اقتصاداتها.
من الطبيعي ان تتضرّر جميع الدول المنتجة من تراجع الأسعار، وقد توقّع أحدث تقرير أصدرته ”وكالة موديز للتصنيف الائتماني“ هبوط إيرادات الدول الخليجية مجتمعةً نحو 220 مليار دولار في العام 2015 على أساس احتساب أسعار النفط عند مستوى 80 و85 دولاراً للبرميل. لكنّ التقرير أكّد قدرة هذه الدول على تحمّل ذلك بما لديها من مخزون ضخم من الاحتياطات بالعملات الأجنبية، والتي زادت عن 904 مليارات دولار بنهاية العام 2013، تستحوذ حصّة السعودية وحدها على نحو 737 مليار دولار منها، أي ما يمثّل نحو 81.5 في المائة.
ولكن يبدو أن ايران هي من بين أكثر البلدان تضرّراً جرّاء تراجع أسعار النفط، وخصوصاً بعد أن تراجع إنتاجها بسبب العقوبات الأميركية والغربية ضدّ مصالحها من نحو 4 ملايين برميل إلى أقلّ من مليونَيْ برميل يومياً، في الوقت الذي تعاني فيه من عجز مالي كبير كنتيجة طبيعية لتوسّعها الكبير في الإنفاق، مع العلم أنها تحتاج إلى سعر نفط يزيد على 120 دولاراً للبرميل.
ولم يستبعد وزير النفط الإيراني بيغن زنغنة أن تلجأ طهران إلى السحب من صندوق ثروتها السيادية الذي لديه نحو 62 مليار دولار، لمواجهة الأثر الاقتصادي لانخفاض أسعار النفط، ولاسيّما لتمويل مشروعاتها التنموية واستثماراتها الخارجية.

الإنتاج الروسي – الأميركي
يُقدّر الاحتياطي العالمي المتوقَّع للنفط الصخري بنحو 5 تريليون برميل، حصّة الولايات المتحدة منها نحو 3.5 تريليون برميل. ويُقدّر الإنتاج الصخري حتى العام 2035 بنحو 14 مليون برميل يومياً ، وهو يشكّل أقلّ من 15 في المائة من حاجة الاقتصاد العالمي الذي سيظلّ يعتمد على النفط الخام كمصدر أول للطاقة.
ويُعتبر بروز صناعة النفط الصخري ونموّها في الولايات المتحدة، أحد أهمّ التطوّرات في القطاع منذ فترة طويلة. فقد استطاعت زيادة إنتاجها نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً خلال ثلاث سنوات (2012-2013-2014)، وتمّ استثمار 200 مليار دولار في هذه الصناعة، وبما يعادل 50 في المائة من مجمل الاستثمارات النفطية العالمية. كما أن هذا المبلغ يزيد على ما استُثمر في كلٍّ من روسيا والسعودية في المجال ذاته، وفق دراسة صدرت أخيراً عن مؤسّسة ”غولدمان ساكس“.
وهكذا ساهم النفط الصخري في زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط إلى 11 مليون برميل يومياً، وفي تراجع مستورداتها إلى نحو 6 ملايين برميل يومياً، وهي تتطلّع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في السنوات المقبلة.
ولكن هل يستطيع النفط الصخري بكلفته المرتفعة تحمّل انخفاض أسعار النفط التقليدي، وخصوصاً الخليجي؟
بالطبع لا .. ففي الماضي البعيد لم تفكّر الولايات المتحدة بإنتاج النفط الصخري لأن كلفته تزيد على 70 دولاراً للبرميل، في حين كانت كلفة النفط الخليجي لا تزيد على ثلاثة دولارات للبرميل. ولكن مع التطوّر التكنولوجي، تمّ ابتكار طرق جديدة ساهمت في خفض الكلفة. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال في حدود 40 دولاراً للبرميل، مقابل أقلّ من 20 دولاراً لبرميل النفط الخليجي.
أما روسيا، فهي تنتج نحو 11 مليون برميل نفط يومياً، وهي تُعتبر أكبر دولة منتجة في العالم، وقد رفض وزير طاقتها ألكسندر نوفاك تخفيض الإنتاج لتجنّب ارتفاع الأسعار، وأعلن وايغور سيتشن رئيس شركة ”روسنفت“ المقرّب من الرئيس فلاديمير بوتن ”أن روسيا لن تخفض إنتاجها حتّى لو هبطت الأسعار إلى 60 دولاراً“، مع العلم أن روسيا تحتاج إلى سعر 100 دولار للبرميل لضبط موازنتها، وقد أبلغ وزير المال أنطوان سيلوانوف البرلمان الروسي أن إيرادات الموازنة قد تتراجع أكثر من تريليون روبل (21.5 مليار دولار) في العام 2015، بسبب أسعار النفط الضعيفة والنموّ الاقتصادي المنخفض، ولم يستبعد لجوء روسيا إلى أسواق المال الأجنبية لسدّ عجزها المالي.
ومن الطبيعي أن يؤدّي انخفاض السعر إلى تراجع الإنتاج الروسي بسبب ارتفاع تكلفته. وتؤكّد الدراسات أن كلفة حفر الآبار الاستكشافية في القطب الشمالي تعادل نحو ثلاثة أضعاف كلفة الآبار في مناطق أخرى من العالم، مع العلم أن العوامل التي شجّعت روسيا على زيادة إنتاجها، تعود إلى استقرار الأسعار على مستويات مرتفعة في السنوات الأخيرة بين 100 و110 دولارات للبرميل.
وهكذا تكون أوبك التي تمسّكت برفض تخفيض إنتاجها حتّى لا تستغلّ هذا التخفيض الدول المنتجة من خارجها، والتي رفضت التعاون المشترك لتخفيض عادل يؤمّن استقرار السوق، قد بدأت تحقّق هدفها في تخفيض الإنتاج العالمي للنفط عن طريق خفض الأسعار، وهذا ما يحصل حالياً بالنسبة إلى روسيا والولايات المتحدة وهما أكبر منتجَيْن خارج أوبك.
وانطلاقاً من وقائع السوق، يتطلّع المراقبون بتفاؤل إلى احتمال نجاح اجتماع رباعي يضمّ السعودية وفنزويلا من أوبك وروسيا والمكسيك من خارجها، وذلك في شباط (فبراير) 2015 للتعاون من أجل تأمين الاستقرار للسوق النفطية، على أساس أنها مسؤولية جميع الدول المنتجة، وليست مسؤولية أوبك وحدها.
*كاتب وإعلامي اقتصادي- لبنان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي