وكالة أنباء موريتانية مستقلة

المعارضة تواصل الضغط والنظام يعد لتطبيق مخرجات الحوار

السفارة الأمريكية تتدخل وتسجل عدم مساس الرئيس بالمأموريات

تتوجه الساحة السياسية الموريتانية نحو فصل جديد من سخونتها المعهودة منذ سنوات، حيث بدأت الحكومة الموريتانية وأغلبيتها وداعموها وإعلامها التحضير لحملة سياسية وإعلامية واسعة لتثمين مخرجات الحوار وضمان تطبيقها وبخاصة ما يتعلق منها بالاستفتاء الشعبي حول تعديلات الدستور الذي يعتبر في الوقت ذاته بمثابة استطلاع رأي حول شعبية الرئيس.
وفي إطار التحضير لتطبيق مخرجات الحوار التي ترى المعارضة أنها مخرجات غير مجمع عليها، بدأ سيدي محمد ولد محم رئيس الحزب الحاكم سلسلة اجتماعات مع نواب الأغلبية وكذا مع أعضاء مجلس الشيوخ الموالين والذين يتخوف النظام من تمردهم عليه بسبب إلغاء غرفة الشيوخ الذي تقرر بالفعل ضمن نتائج الحوار.
وفي مقابل هذا النشاط، تواصل المعارضة الموريتانية المتشددة بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية، التعبئة لمسيرة الرفض المقررة يوم السبت المقبل والتي أضعف من زخمها، إعلان الرئيس الموريتاني عن صونه لحيثيات الدستور المتعلقة بمأموريات الرئاسة.
فقد تمكن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بخطابه الحماسي في جلسة اختتام الحوار من جذب إعجاب الكثيرين وازدادت شعبيته بشكل كبير، كما عكست ذلك مئات التدوينات والمقالات المؤيدة له ولخطابه والتي أكد البعض فيها «ضرورة بقائه رئيساً لموريتانيا إكمالاً لمسيرة نجاحاته».
ومع أن حزب التحالف الشعبي التقدمي بقيادة مسعود ولد بلخير تغيب عن الجلسة الختامية للحوار احتجاجاً على تعديل الدستور، ومع أن محللين عديدين اعتقدوا أنه سيغادر معارضة الوسط نحو معارضة الجد بعد أن رفض الرئيس طلبه المتعلق بتعديل سن الترشح في الدستور، فقد أظهر بيان نشره الحزب أن التحالف الشعبي باق في موقعه القريب من الموالاة.
فقد أشاد حزب التحالف «بموقف رئيس الجمهورية وإعلانه الواضح الصريح»، مؤكداً «أنها المرة الأولى التي واجه فيها الرئيس الأمور بالإرادة القوية والنية الصادقة في المساهمة للتخطيط لمستقبل موريتانيا الديمقراطية المزدهرة وتجنيبها الوقوع في ورطة كانت ستكون وخيمة العواقب».
وأكد التحالف الشعبي التقدمي «أنه سيبقى وفياً لمكتسبات الشعب الموريتاني، ممارساً دوره الإيجابي التشاركي في كل مرحلة من مراحل العمل الوطني خصوصاً المرحلة التي نحن مقدمون عليها، بعد انتهاء جولة الحوار الأخيرة، التي وصلت إلى بعض النتائج الهامة، ممثلة في غالبها، رؤية التحالف الشعبي التقدمي ومشروعه المجتمعي». وأكد حزب التحالف «استعداده لمواصلة العمل مع الجهة المكلفة بمتابعة نتائج الحوار وتطبيقها كاملة على النحو المطلوب»، مشدداً على «أن تدارك النواقص وسد الثغرات سيبقى موضوعاً للتشاور والحوار المستمر، كما أن الباب يجب أن يبقى مفتوحاً أمام مشاركة كافة ألوان الطيف السياسي وجميع الفرقاء لضمان الوصول إلى تصور تشاركي شامل يجد فيه الكل مكانته اللائقة».
وفيما تتفاعل هذه المواقف الداخلية، سارعت سفارة الولايات المتحدة في نواكشوط ممثلة للموقف الخارجي، لتدخل على الخط، مؤكدة في بيان نشرته أمس «أن الولايات المتحدة تهنئ الرئيس محمد ولد عبد العزيز على التصريح القوي الذي أدلى به في خطابه إلى الشعب الموريتاني في الـ20 من تشرين الأول/اكتوبر الجاري حول عدم المساس بعدد المأموريات الرئاسية».
وشددت بيان السفارة على «أهمية التناوب الديمقراطي على السلطة في انتخابات 2019، حيث ستحقق موريتانيا، بتوجيهات من الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أول انتقال للسلطة من رئيس منتخب الى رئيس منتخب آخر، في عام 2019، وهذا الإنجاز يعتبر تاريخياً»، حسب تعبير السفارة. «لقد أكد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، يضيف البيان الأمريكي، على أهمية الدستور في «ترسيخه للديمقراطية من أجل المصلحة العامة» بدلاً من التركيز على المصالح الشخصية لفرد معين أو لمجموعة صغيرة من الأفراد، ونحن نشاطر السيد محمد ولد عبد العزيز الرأي بشأن هذه القضية حيث أن البلدان في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في العالم العربي وأفريقيا، تعطي أهمية بالغة لقيمة القيود على الفترات الرئاسية».
وتحدث بيان السفارة الأمريكية «عن تشييد الحكومة الموريتانية، تحت قيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز العديد من الطرق، والموانئ، بالإضافة إلى تحقيق إنجازات أخرى، مثل المطار الدولي و بناء جامعة جديدة، وهذه الإنجازات ستكون لها التأثير الايجابي لفترة طويلة على الأمة الموريتانية». «والأهم من ذلك بالنسبة لتطور موريتانيا، يضيف البيان الأمريكي، هو تقوية المؤسسات الديمقراطية التي سوف تعزز التقدم في البلاد لصالح الأجيال القادمة».
وضمن الآراء التي ينشرها الكتاب والمدونون بالتوازي مع تفاعلات المشهد المتجه للسخونة، كتب وزير الخارجية الأسبق محمد فال بلال تحت عنوان «تصويب البوْصلة باتجاه ملء الفراغ»، مؤكداً قوله «أكرّر بصوت عالٍ بأنّ بوْصلة النضال والعمل السياسي الوطني الجاد تحوّلت من مُقارعة «الانقلاب» على الدستور إلى مكافحة الفراغ الناتج عن تطبيق الدستور».
وأضاف «نظراً إلى ما تقرر من إجراءات قانونية وسياسية في جلسات الحوار وبخاصة ما صرّح به الرئيس بشأن المواد الدستورية المحصنة، ونظرا إلى طيّ ملف الولاية الرئاسية الثالثة بشكل نهائي، فإنّ بوْصلة النضال تحوّلت منطقياً من التصدي لانقلابٍ محتملٍ على الدستور يسمح للرئيس بالترشح والاستمرار في السلطة، إلى التصدي للفراغ الكبير النّاجم عن خروج قادة ورموز العمل السياسي في البلاد من حلبة الصراع، فغياب الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ومسعود ولد بلخير، وأحمد ولد داداه، ومحمد جميل ولد منصور (المنتهية ولايته على رأس حزب «تواصل») في آن واحد يضع البلاد أمام تحدّ كبير، ويطرح أسئلة كثيرة».
وتساءل قائلاً «وراء من سنسير، وإلى أين؟ وهل سنقدر في هذا الوقت بالذات على «صنع» قيادات جديدة تتوفّر على الحد الأدنى من الكفاءة والمهارة والتجربة؟ وهل سنقدرُ على جمْع شملنا ورصّ صفوفنا وضبط أمورنا في مثل هذا الفراغ؟ وهل سنَرْتَقي بعقولنا وأنفسنا وأفكارنا وسلوكنا إلى المستوى الذي يسمح لنا بتداول السلطة بسلاسة وأمان وانضباط على غرار ما يحصل في أرقى ديمقراطيات العالم؟».
«لا ينبغي النظر إلى الوضع الحالي على أنّه وضعٌ سهل ومُريح، يضيف القيادي المعارض ولد بلال، بل العكس، فنحن نمرّ بمرحلة صعبة ومعقدة ومحفوفة بالمخاطر؛ مرحلة لا تحتمل المواجهة والتصعيد والتأزيم والاصطدام ، بل تقتضي استبدال المواجهة بالتشاور، واستبدال التصعيد بالتهدئة، و التصلب بالمرونة، وتقليل احتمالات التوتر والاحتكاك الداخلي حفاظاً على الأمن والاستقرار». وتحت عنوان «الممرات الأخيرة» كتب الصحافي المحلل البشير ولد عبد الرزاق «دعك من الإعلام الرسمي وعقمه الفكري وعبارته المسطحة الملساء وهراءاته التي ورثها عن نفسه، ما قاله الرئيس مساء العشرين من تشرين الأول/أكتوبر هو ببساطة، خطاب بطعم وداع ووداع بطعم حلم وحلم بطعم وطن».
وأضاف «في خطبة وداعه الأخير، اختار سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي كان أول رئيس يودع الموريتانيين قبل أن يغادر، كاتبا كبيرا بحجم الخليل النحوي، لكي ينحت له كلمات دافئة بلا نهايات، تختصر أزمنتنا الغابرة وتلك التي تلوح في الأفق، لقد أراد الرجل أن تتحول كلماته الأخيرة إلى علامات محفورة في ذاكرة الموريتانيين وهو يودعهم. أما الرئيس محمد ولد عبد العزيز فقد آمن دوماً بأن غرائز الموريتانيين لا تدغدغها الخطب الراقية والمنمقة التي تشبه رسائل العشاق، بقدر ما تحركها «المواقف البطولية» التي تأخذ الناس إلى حدود النشوة، لم يبحث الرجل عن كاتب بحجم الوداع كما فعل سلفه، أرادها خطبة شعبية ساخنة، يستعرض فيها عضلاته، يضحك، ينفعل ويغير ملامح وجهه ويغرق أتباعه في بحر من التصفيق متى شاء، ويرتدي بدلته العسكرية القديمة المخبأة في قبو القصر، حين يشاء، ما قام به ولد عبد العزيز مساء العشرين من تشرين الأول/أكتوبر، هو استكشاف تلك الممرات الأخيرة، خطبة وداع مبكرة أو سابقة لأوانها، أراد الرجل من ورائها أن يجرب الممرات الهادئة قبل أن يحين وقتها، هو الذي لا يريد أن تكون خطبته الأخيرة منة من أحد».
المصدر:القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي