وكالة أنباء موريتانية مستقلة

مرّة أخرى..اللاجؤون الفلسطينيّون في لبنان/د. محمود العلي

لقد اختلف التعاطي مع اللاجئين في منطقة عمليات الأنروا، بحسب رؤية السلطات العربية التي استقبلت هؤلاء. ففي لبنان تعاطت السلطات اللبنانية معهم بحذر، بحيث حرصت على عدم إعطائهم حقوقاً مدنية واجتماعية، كما حرصت على وجود أكثريّتهم في مخيّمات تحت الإشراف المباشر والفاعل من الأجهزة الأمنية. وبلغ عدد اللاجئين 493,134 فرداً بحسب هيئة الأمم المتّحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) في مطلع العام2015، بينهم حوالى 6, 50% يعيشون في المخيّمات.

تنوّعت موجات هجرة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان إلى الخارج بحسب المتغيّرات السياسية والأمنية والاقتصادية. وفيما ارتبطت حالات اللجوء في السبعينيات والثمانينيات بالوضع الأمني حصراً، فإنّ المسار الحديث للجوء الفلسطينيين من لبنان باتجاه الخارج، والذي بدأ في العام 2012، ارتبط بالظروف الاقتصادية الصعبة، وبعدم إعطاء الفلسطينيين الحقوق المدنية، ومنها حقّ العمل في المهن الحرّة، فضلاً عن التحدّيات الناجمة عن الهجرة الكبيرة للسوريّين إلى لبنان، وبالتالي وجود كتلة كبيرة منافِسة من العمّال السوريّين العاملين في مهن لا تتطلّب أذونات من الوزارات المعنيّة، وتلويح الأنروا بتقليص خدماتها المقدَّمة إلى اللاجئين الفلسطينيين في آب(أغسطس)2015. وقد أدّى هذا التلويح إلى تحرّكات شعبية متعدّدة، منها تحرّكات لفصائل المقاومة الفلسطينية والمؤسّسات المدنية والأهلية، لمواجهة القرارات الهادفة إلى إلقاء الفلسطيني في التيه والضياع والتشرّد. وفوق ذلك، فإنّ الأحداث الدامية التي شهدها مخيّم عين الحلوة، وآخرها في شهر آب(أغسطس)، بين القوى السلفية واللجنة الأمنية في المخيّم، عزّزت فكرة أنّ المخيّمات لم تعد ملاذاً آمناً للاجئين على الصعيدين الاقتصادي والأمني، ما أدّى إلى انتعاش حركة تدعو للجوء إلى البلدان الأوروبية، وصلت إلى حدّ وضع ملصقات في المخيّمات، ومنها مخيّم شاتيلا في بيروت، تدعو إلى الهجرة بعيداً عن الظلم والتهميش. وبحسب جابر سليمان في مقالته المنشورة على الموقع الإلكتروني لمركز حقوق اللاجئين – عائدون، اجتاحت المخيّمات الفلسطينية في لبنان منذ بداية العام الحالي ظاهرة اعتبرها الكثير من الفلسطينيين والمهتمّين بالشأن الفلسطيني غريبة عن تقاليد الثقافة الوطنية الفلسطينية والصورة النمطية للمخيّم الذي لطالما تمّ النظر إليه بوصفه حاضن الثورة وحارس العودة. وتمثّلت هذه الظاهرة في بروز حراك شبابي فلسطيني يدعو المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الدول الأوروبية، إلى تسهيل هجرة الفلسطينيّين، وبخاصّة الشباب منهم، إلى خارج لبنان. ونتج عن هذا الحراك تشكيل مجموعات شبابية شملت تقريباً المخيّمات كافة، من مخيّمَي نهر البارد والبدّاوي في منطقة طرابلس إلى مخيّمَي شاتيلا وبرج البراجنة في منطقة بيروت، ومخيّمَي البصّ والرشيدية في منطقة صور، مروراً بمخيّمَي عين الحلوة والميّة وميّة في منطقة صيدا. وتُعتبر لجنة “الفلسطينيون الأحرار” التي تنشط في مخيّم عين الحلوة من أبرز تلك اللجان. وفي هذا السياق جرت في شباط (فبراير) 2015 محاولةٌ للتنسيق بين مختلف اللجان تحت اسم “اتّحاد تنسيق للشباب الفلسطيني المطالب بالهجرة”. ومنذ بدايات أيار(مايو) 2015، بدأت بيانات الحراك تصدر تحت اسم “شباب النهوض المطالب بالهجرة”. وأنّ سبب هجرة أبناء عين الحلوة كما يقول أحد اللاجئين هو ” قلّة الشغل وكلّ يوم يموت واحد منّا نتيجة التوتير الأمني…فأنا أعرف أربعة من الذين هاجروا، وقد فعلوا كلّ ما في بوسعهم من أجل التخلّص من البطالة، وسعياً وراء العيش الآمن، من دون التفكير بعواقب الأمور؛ فالمهمّ هو التخلّص من ظروفهم المعيشية الصعبة؛ فالهجرة في النهاية هي لعبة حظّ”. بينما قالت “أم عثمان” والدة أحد الذين بقوا في ليبيا بانتظار الهجرة، إنّ الوضع الذي لا يُطاق، هو الذي دفع الشباب إلى الهجرة من ضيق المخيّم ومشكلاته الأمنية وقلّة العمل وكثرة البطالة… وقد أظهر شريط فيديو، بثّه أحد الأشخاص الناجين من رحلة الموت بين ليبيا وإيطاليا، عشرات اللبنانيّين والفلسطينيّين على متن قاربٍ كبير بعد إنقاذهم من الموت إثر غرق مركبهم. وعلى الرغم من ذلك، لا زالت المخيّمات الفلسطينية في لبنان تشهد من حينٍ لآخر حراكاً شبابياً يدعو للهجرة، في أكثر المُخيّمات بؤساً وحرماناً، والمقصود “مُخيَّم نهر البارد”، مُروراً بأكبرها في لبنان، أي “مُخيّم عين الحلوة”، وصولاً إلى المُخيّمات الموجوده في بيروت. وبحسب ما هو وارد في موقع شبكة أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية(www.arij.net)، فإنّ سماسرة من نوع جديد ينشطون اليوم في مخيّم نهر البارد. وهُم مغتربون “شرعيّون” يأتون إلى لبنان لزيارة ذويهم، ويعرضون المساعدة في الهجرة على الذين يشعرون أنّ لديهم رغبة في السفر. ويكون السفر بجواز سفر مزوّر أو مسروق من ألمانيا والدنمارك، أو عبر تأمين تأشيرة “شنغن” من دول مجاورة لألمانيا (وخصوصاً بولندا وأوكرانيا) عبر سفاراتها في لبنان، مقابل مبلغ يراوح بين 6 و8 آلاف دولار. ويستطيع المهاجر الدخول برّاً إلى ألمانيا باعتبار أنّ الدولتَيْن تنتميان إلى الاتّحاد الأوروبي.
لقد دفع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ثمناً قاسياً لهجرتهم التي أخذت مسارات متعدّدة ومتنوّعة، وأدّت بالكثيرين إلى الموت في البحار فيما هُم يأملون بحياة أفضل. وكانت تركيا الممرّ الأكبر نحو أوروبا بحراً إلى اليونان ثمّ بطرق عديدة من اليونان إلى النعيم الأوروبيّ، وتليها ليبيا في الطريق إلى إيطاليا. وقد ورد في القدس للأنباء وكالات، يوم الخميس في 12 آذار(مارس) 2015، أنّ سفيرة فلسطين في إيطاليا قالت إنّ السفينة التي تقلّ مهاجرين، وغرقت في الخامس من شهر آذار (مارس)، كان على متنها فلسطينيّون من قطاع غزّة، ومن مخيّمات لبنان، ومخيّم اليرموك في سوريا، فضلاً عن مهاجرين سوريين ولبنانيين. وأكّدت أنّ السفينة كانت تقلّ 180 مهاجراً، بينهم 60 فلسطينياً. وفي شهر تموز(يوليو) تنفّس مخيّم عين الحلوة الصعداء بعد كارثة إنسانية كادت تحلّ ببعض عائلاته، إذ نجا عدد من أبنائه من الموت بأعجوبة بعدما غرق مركبهم الذي كان متوجّهاً من صبراتة في ليبيا إلى إيطاليا في رحلة هجرة غير شرعية طمعاً في الحصول على لجوء إنساني في إيطاليا أو ألمانيا. وقد فتحت نجاة أبناء عين الحلوة الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كبيرة حول “سماسرة” الهجرة غير الشرعية ورحلات الموت، بعد أن بات أبناء المخيّمات يفضّلون الهجرة على العيش في ظلّ البطالة والفقر المدقع والحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية. إذ تتوارد أخبار غرق المراكب والوفاة والنجاة بشكل شبه دوري شهرياً… فيما ينشط “السماسرة” بغية الربح الوفير. وقد وقع العديد ضحايا عمليات نصب، آخرها في مرفأ طرابلس، حيث أوقف الأمن العام اللبناني بتاريخ 20- 9- 2015، العشرات من المهاجرين من مختلف المخيّمات الفلسطينية في لبنان، وأكثرهم من مخيّم عين الحلوة، كانوا يهمّون بركوب قارب لا يتّسع لعشرين شخصاً. ما يعني أنّ إشارات الموت في البحر كانت أكثر من إشارات الوصول إلى حياة أفضل .وكشف ذوو أحد المهاجرين أنّ طريق الهجرة من المخيّم طويل ومحفوف بالمخاطر، وتبدأ من لبنان إلى السودان ثمّ إلى ليبيا عبر الصحراء مسيرة 13 يوماً، ثمّ يستقلّون المراكب إلى إيطاليا وهُم وحظّهم في النجاة أو الغرق، وتستمرّ كلّ رحلة نحو 25 يوماً، وتكلّف نحو 5 آلاف دولار أميركي. وهنالك منافذ أخرى للهجرة أحدها عن طريق سوريا باتّجاه تركيا كما فعل عصام زيد ابن مخيّم البدّاوي الذي غادر يوم 2-10-2015، برفقة صديقه عبد عبد العال وبصحبة السمسار ولكنّ أخبارهم انقطعت منذ ذلك التاريخ .
وبالمحصّلة، فإنّ فشل المجتمع الدولي في تنفيذ قرار الأمم المتّحدة رقم 194، والقاضي بأنّ الحلّ الجذري لمأساة اللاجئين الفلسطينيين يتمثّل في عودتهم إلى بيوتهم وأرضهم، سيؤدّي إلى مزيد من تفتيت هويّتهم وإبادة الكثيرين منهم في البحار ومسارب البحث عن حلم في حياة ومستقبل أفضل، لحين عودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم في وطنهم الأم فلسطين….

*أكاديمي وباحث في شؤون اللاجئين الفلسطينيّين

المصدر:افق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي