وكالة أنباء موريتانية مستقلة

أهم ملفات القمة العربية ب”الدمام”

وسط توترة يسود عدد من الدول العربية، تنطلق أعمال القمة العربية الـ29 اليوم في مدينة الدمام السعودية، والتي تناقش ملفات ساخنة، منها أزمات سوريا وليبيا واليمن، إلى جانب التطورات الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب، فيما استضافت الرياض الإجراءات التحضيرية للقمة .

قمة استثنائية

ورغم أن القادة العرب سيلتقون في قمة عادية فإن السياق الإقليمي الملتهب والظروف الدقيقة التي تجتازها المنطقة بتزامن مع ما تواجهه من تحديات “مصيرية” على أكثر من صعيد، يجعل منها حدثا أكبر من ” القمة الاستثنائية”، وتحظى بأهمية خاصة في ظل تغيرات إقليمية وعالمية متسارعة، أبرزها التجاذب والتنافس بين أبرز القوى الدولية، وتحديات اقتصادية وأمنية كبيرة، تستدعي تكاثف الجهود العربية المشتركة، كسبيل لمواجهة تلك التحديات.

فما بين الأطماع التوسعية الإيرانية في المنطقة وأزمة ملفها النووي، وتطورات القضية الفلسطينية في ظل اعتراف أمريكي بالقدس الشريف عاصمة لإسرائيل، والوضع في اليمن، والتحديات التي تعصف بالعراق، إلى جانب بلوغ الأزمة السورية مستويات خطيرة غير مسبوقة، تهدد بتفجير الوضع عالميا، وما تشكله التهديدات الإرهابية وخطر داعش والتيارات المتطرفة على أمن واستقرار الأمة العربية ككل، يعلق الكثير من المحللين والمسئولين السياسيين، ومعهم الشعوب العربية قاطبة، الأمل في أن تسهم قمة الدمام في فتح أفق عربي جديد يخرج العالم العربي من حالة التشرذم التي تعتري جسده، مؤكدين في هذا الصدد أن المصالح العربية واحدة وخسائرها واحدة.

القضية الفلسطينية

ومما لاشك فيه أن قمة الدمام ستسعى إلى إيجاد الحلول لقضايا العرب المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، قضية الأمة العربية الأولى، التي أكدت بشأنها القمة السابقة المنعقدة في مارس 2017 بالأردن، موقف القادة العرب المشترك، واستعدادهم لتحقيق مصالحة تاريخية مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها في 1967، وذلك وفق المبادرة العربية لعام 2002، مطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل.
وتأتي الرياح بما لا تشتهي سفن العرب، حيث أن التطورات المتلاحقة على الأرض لاتزال تؤكد عدم رغبة تل أبيب في تحقيق سلام دائم وعادل يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل، أدى إلى تعقيد الوضع أكثر، وعودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة كأحد أبرز وأهم التحديات التي تواجه الأمة العربية.
قمة القدس

وفي هذا الإطار، أشارت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إلى أن هناك ملفات ثابتة منذ عدة سنوات، وهي مطروحة بشكل دوري على القمم العربية، مؤكدة أن الملف الفلسطيني يعد الأبرز والأكثر قدما في هذه الملفات، وسيطرح بشكل خاص في القمة الـ29 المقبلة .

وأوضحت أن القضية الفلسطينية ستطرح بحدة أمام القادة العرب في أعقاب التصعيد الإسرائيلي الأخير بقطاع غزة، وقرار ترامب بشأن القدس واعتزامه نقل سفارة بلاده إلى القدس في مايو المقبل، إضافة إلى بحث الأفكار وخطة السلام التي طرحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام مجلس الأمن في شهر فبراير الماضي.

الرئيس الفلسطيني “أبو مازن” أكد أهمية انعقاد القمة العربية في الوقت الراهن، مطلقًا عليها لقب “قمة القدس”، لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي تتعرض لها، عقب القرارات الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتهم إليها، وعلى هذا الأساس، يقع على عاتق الدول العربية إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية، وحثها على الحفاظ على ما تبقى من خيار “حل الدولتين”، وثني الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة عن ممارساتها اليومية التي تقوض حقوق الفلسطينيين وتخرق القوانين والقرارات الدولية.

وعلاوة على ذلك، تراهن القمة العربية على اعتماد مواقف موحدة وقرارات واضحة من شأنها تمكين الدول العربية من التصدي بفاعلية للتهديدات التي تحدق بالأمن القومي العربي، وفي مقدمتها تدخلات بعض القوى الإقليمية في شئون عدد من الدول العربية، وسعيها لزعزعة استقرار وأمن دول عربية أخرى.

وفي هذا الإطار، تطمح جامعة الدول العربية إلى أن تشكل القمة مناسبة للحديث بشكل صريح حول التهديدات والتدخلات لدول إقليمية في الشئون الداخلية للدول العربية، لاسيما في ظل ما تعرض له مفهوم الأمن العربي على مدار سنوات عديدة، من انتكاسات وتراجعات.

أزمة اليمن

ويبرز في هذا الاتجاه، بحسب ما يؤكده التحالف العربي في اليمن، دعم النظام الإيراني لميليشيات تابعة له في عدد من البلدان العربية، ومنها دعمه لجماعة الحوثيين وتزويدها بالأسلحة التي تستهدف بها أراضي السعودية، وتكثيفها في الآونة الأخير لإطلاق الصواريخ الباليستية، “إيرانية الصنع” في اتجاه عدد من مدن المملكة ومنها العاصمة الرياض.

الأزمة السورية

كما تشكل الأزمة السورية بتعقيداتها المتشابكة أحد مواطن صراع نفوذ دول أجنبية وإقليمية في المنطقة، والحرب الدائرة بين الدولة السورية والجماعات المسلحة ، وما ترتب على تلك الحرب من مآس إنسانية، أبرزها الاستخدام المحتمل للسلاح الكيماوي ضد المدنيين مؤخرا في مدينة دوما بالغوطة الشرقية.

ومن جهة أخرى، تطمح القمة العربية إلى إصدار قرارات حاسمة في جملة من القضايا الأخرى، التي تمثل أولويات العمل العربي المشترك في الفترة الراهنة، ومنها درء خطر الإرهاب والتطرف، وحل الأزمات في سوريا واليمن وليبيا فضلا عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية.

قمة مفصلية
ويعتقد المحللون أن القمة وسياق انعقادها، تعد “مفصلية” في تاريخ الأمة العربية، فإما أن تكون قمة التحدي والمواجهة والتوافق الإيجابي بين القادة العرب، أو أن تكون مجرد رقم جديد في قائمة القمم العربية.

من جانبه، قال السفير رخا حسن، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن القمة تُعقد في ظروف عربية مليئة بالتحديات، وأبرزها الأزمات العربية المشتعلة في اليمن وسوريا وليبيا، والقضية الفلسطينية التي تصاعدت من جديد بالتظاهرات التى خرجت الأيام الماضية.

ولفت حسن، في تصريحات صحفية إلى أن الملف الفلسطيني سيتصدر أعمال القمة، خصوصا أنه يمر بمنعطف خطير للغاية حيث سيتم بحث المساعي العربية لمنع إقدام أى دولة أخرى على خطوة مثيلة للخطوة الأمريكية، فضلًا عن بحث فرص ومصادر تمويل لمنظمة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، بعد تقليص المساعدات الأمريكية لها.

وأشار حسن، إلى أن قضية الإرهاب هي أحد الموضوعات الرئيسية على جدول أعمال القمة، وهو مرتبط بالأزمات في سوريا وليبيا، خصوصا أنه ليس هناك تعريف بين الدول العربية على مفهوم الإرهاب في المنطقة وما هي المنظمات الإرهابية، لافتًا إلى أن الأهم هو السعي لتنقية الأجواء العربية من الخلافات وإيجاد وحدة صف عربي.

وأضاف أن القمة ستتطرق أيضًا إلى القضايا التقليدية مثل العلاقات الاقتصادية البينية والعلاقات العمالية على ضوء مؤتمر العمال العرب الذي عقد مؤخرًا، فضلًا عن بحث تمويل الجامعة العربية التى تواجه مشكلات كبيرة بسبب التمويل، حيث أن دولا غنية وليست فقيرة تمتنع عن دفع حصتها.

طفل فلسطيني

وحول الأزمة السورية، أكد السفير رخا حسن أنها أصبحت أزمة داخلية إقليمية دولية، وهناك خلافات عربية عربية حول الموقف من الأطراف المتداخلة فى الأزمة السورية، لافتًا إلى أنه سيُطرح على القمة العربية لأن هناك اقتراحا من عدد من الدول العربية بإعادة تنشيط عضوية سوريا فى الجامعة العربية.

فى سياق متصل، أكد مساعد وزير الخارجية سابقًا، السفير جمال بيومي، أن القمة تعقد في وضع سياسي وأمنى صعب للغاية، في ظل تعرض سوريا للتقسيم والاحتلال من جانب قوى خارجية متعددة، أصبحت تتحكم في مصير السوريين، فضلًا عن مشكلات أخرى تهدد الأمن القومي العربي، خصوصا الأوضاع في اليمن، وهو ما انعكس بشكل أساسي على تغيير مكان القمة العربية حتى تكون خارج نطاق استهداف الحوثيين، ما يدل على أن وجود إيران في اليمن يهدد الأمن القومي العربي.

وأوضح بيومي أن الملفات الاقتصادية المطروحة تتمتع بحظ أفضل من الملفات السياسية، حيث أن المسار الاقتصادي العربي يسير في اتجاهه الصحيح، بعد إنشاء منطقة للتجارة الحرة، كما تزداد التجارة العربية بالتدريج، حيث أن الدول العربية تمثل ربع التجارة الخارجية المصرية، فضلًا عن أن هناك فائضا في الميزان التجاري مع المنطقة العربية ما يدعو للاهتمام بالجانب الاقتصادي.

وأضاف مساعد وزير الخارجية السابق، أنه يجب تعميق العلاقات الاقتصادية رغم الخلافات السياسية، حيث إن العلاقات الاقتصادية السليمة تساعد على أن يكون المناخ العام مواتيا لاحتواء الأزمات السياسية..

العمل المشترك وحقن الدماء
كما تراهن الجامعة العربية على أن تسهم القمة في إحداث تطور مهم في منظومة العمل العربي المشترك، من خلال رفع جملة من التحديات التي تعيق الإجماع في العديد من القضايا والملفات، التي تلهب المنطقة وتعصف بتطلعات الشعوب العربية في الوحدة والتضامن والعمل المشترك.

وفي ظل الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة العربية، يحل القادة العرب بالمملكة وكلهم أمل في أن تتمكن القمة من الوصول إلى إقرار حلول ملموسة لمختلف القضايا العربية، وتدشين مرحلة جديدة عنوانها الأمل وحقن الدماء ولم الشمل وتحقيق الأمن والاستقرار، فضلا عن السعي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي المنشود.

وقد أكد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية محمود عفيفي، في تصريحات صحفية، أهمية الدورة الحالية للقمة العربية، التي تأتي وسط تحديات كبيرة تواجهها الدول العربية وتهدد أمنها القومي، معربا عن أمله في أن تنجح القمة في إصدار القرارات وتبني المواقف التي من شأنها تمكين الدول العربية من التصدي بفاعلية للتحديات والتهديدات الراهنة.

وقال المتحدث إن القمة تشكل ركنا أساسيا في منظومة العمل العربي المشترك، وستوفر زخما كبيرا وقويا للتعامل مع مختلف القضايا والأزمات بالمنطقة، مؤكدا أن القمة ستشهد مشاركة واسعة للقادة والملوك والأمراء العرب، وذلك في ضوء استضافة السعودية لهذا الحدث باعتبارها دولة ذات ثقل كبير في منظومة العمل العربي المشترك.

الخبر ـ الأهرام

Print Friendly, PDF & Email

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي